غالباً ما توقف مصير الشعوب عبر التاريخ على قدرة قادتها في الإصلاح وحكمتهم في إدارة شؤون وشجون البلاد، حتى إن الفيلسوف الفارابي قال ذات يوم “إن صلاح الرئيس يؤدي إلى صلاح المدينة” لأنه من المفترض أن يتحلى بأعلى درجات الحكمة والإدراك والنزاهة والاعتدال والاطّلاع وصولاً إلى تسليم عدد كبير من المفكرين أنه حتى في الأنظمة الديكتاتورية التي يحكمها قادة صالحون، تصبح أكثر ديموقراطية لأن لديهم نية إصلاح البلاد وتطوير حياة العباد.
أكثر من خمس سنوات مرت من عهد الرئيس ميشال عون الذي تولى منصب أحلامه في سن متقدمة على أمل التغيير والاصلاح، إلا أن وقائع الأحوال لم تأت على قدر الآمال إذ سقط بلد الأرز في كماشة أقوى وأصعب أزمات سياسية ومالية واقتصادية ومعيشية، فكانت سنوات حافلة بمحطات معبدة بوعود جازمة نحو الذهاب الى جهنم.
واليوم، يتأرجح اللبنانيون على وهم حبال الإنقاذ المقطعة الأوصال بين الداخل والخارج، والتي لا يمكن إعادة ترميمها وتمتينها سوى ببصمة باسيلية. وتالياً، ما تبقى من الأشهر العونية ستُكرّس لتعبيد طريق رئاسة الجمهورية للصهر أو لا جمهورية خصوصاً ان الرئيس عون أكد مراراً وتكراراً انه لن يسلم البلد للفراغ، كما أعلن من قطر ان التمديد غير وارد وعلى الرئيس الجديد التمتع بتمثيل صحيح ويكون عنصر تلاق وليس تفرقة.
رئيس الجمهورية أبدى رأيه بالرئيس الجديد، لكن كيف قرأ السياسيون واللبنانيون ذلك وهم أبدوا رأيهم في مواقع التواصل الاجتماعي، فاعتبر المؤيدون ان عون تحدث عن مبادئ عامة ومهمة يجب أن يتمتع فيها رئيس الجمهورية المقبل الذي عليه انقاذ البلاد، واصفين ما يحصل بالحملة ضد الرئيس الذي تنطبق عليه مقولة عندما “تقع البقرة يكثر السلاخون” في حين أن عدداً كبيراً تحدث بلهجة تهكمية، متسائلين لماذا لم ينطلق عون من هذه الصفات خلال عهده اذ ان أحد القياديين السابقين من “التيار الوطني الحر” أشار في حديث لـ”لبنان الكبير” الى انه لو أتى أي رئيس غير الرئيس عون لكان أكثر عوناً للبنان”.
وسأل القياديون السابقون: “هل الصهر يتمتع بهذه الصفات؟ أم هي نصيحة شخص تعلم من أخطائه التي ارتكبها على مدى سنوات وسنوات؟ في المبدأ الصفات جيدة، لكن أين التطبيق؟”.
ورأى نائب رئيس “تيار المستقبل” مصطفى علوش ان “كل ما يصرح به الرئيس عون يغرقه أكثر وأكثر. ليس هو من ينتخب الرئيس انما مجلس النواب، ولا يحق له وضع المعايير والصفات والتفاصيل وشكل الرئيس المقبل، مؤكدا ان هذا الحديث يأتي في إطار التخفيف من الكلام الذي قاله في لبنان عن انه لن يسلم البلد للفراغ وما فُهم منه، وفي الوقت عينه كي يقول انه موجود ويتمتع بالصفات التي تؤهله لكن كان يريد تكحيلها فعماها”.
واعتبر انه “لم يطبق الصفات التي تحدث عنها لأنه لا يملكها وهو لديه شهوة رئاسة الجمهورية. عملياً كان لديه تمثيل مسيحي حين انتخب رئيساً للجمهورية لكن كان موضع خلاف من أول يوم له في القصر الجمهوري لأنه اعتبر نفسه يمثل فئة من اللبنانيين لا بل وضع نفسه تحت جناح جبران باسيل”.
وشدد على انه “لا يمكن خداع أي طرف أو أي دولة بالكلام المعسول الذي لم يعد ينفع. العالم منفتح على بعضه والقطريون عليمون بالشؤون اللبنانية جيدا. ما حصل انه كان هناك مناسبة وعليه الكلام ولا يمكن الا ان يتحدث بهذه الطريقة”.
من جهته، اعتبر النائب عماد واكيم ان “كلام عون يأتي في اطار الدفاع عن النفس والاستهلاك الاعلامي خصوصاً انه صرح به من قطر علّه ينجح في وساطة ما إلا انه ضلّ الطريق. كما انه يقول ما لا يفعل بهدف الشعبية، لكن المسألة مسألة ثقة ومن يصدقه بعد كل ما رأيناه في عهده خصوصاً انه يتحدث عن مزايا جيدة بشكل عام لكن لماذا لم يطبقها ويعمل على أساسها”، متسائلاً: “هل هذه الصفات تنطبق عليه وعلى صهره؟”.
وأشار الى ان “عون يستغل صلاحيات الرئاسة دعما لصهره لكن هو ليس اللاعب الوحيد في انتخاب الرئيس، وننتظر الانتخابات النيابية لنرى من يتمتع بالتمثيل الحقيقي، متمنياً أن يكون التركيز حالياً على تجميد الوضع على ما هو عليه واتخاذ تدابير تمنع الانزلاق أكثر وأكثر”.
أما النائب بلال عبدالله الذي اعتبر ان هذا الكلام مهم لكن الأهم كيفية انقاذ البلد من الورطة الاقتصادية والاجتماعية وتفعيل العمل الحكومي ثم اجراء الانتخابات النيابية ومن ثم انتاج السلطة. لا تجوز السجالات في الوقت الراهن في ظل كل ما نعاني منه”.
ولفت الى ان “كلام عون في لبنان فُهم انه لا يسلم كرسي الرئاسة الا لصهره وبالمواصفات التي يضعها، وكلامه في قطر جاء في اطار التوضيح. هذا الكلام على أهميته لا قيمة له اذ إن الاستحقاقات الدستورية هي المهمة وأبرزها الانتخابات النيابية ثم نتحدث عن الموعد الدستوري الآخر الذي له اعتباراته وظروفه وتفاصيله، وليس من صلاحية رئيس الجمهورية تحديدها، مشدداً على ان مواصفات الرئيس المقبل يحددها مجلس النواب”.