حركة أمل… اسم تنظيم تحول إلى رقم صعب في المعادلة السياسية والحزبية داخلياً وارتبط اسمه برئيسه نبيه بري الذي استطاع أن يخرجه من اطاره الحزبي على مستوى الداخل الى السياسة الخارجية العابرة.
منذ 2017 وحتى ما قبل، تتعرض حركة أمل إلى أبشع الحملات لتشويه صورتها وصورة قيادييها، وخصوصاً من خلال العزف على وتر الفساد والسرقة واكتساب المغانم من باب استغلال السلطة! لكن في الواقع إن هذا التنظيم المتماسك ومهما اشتدت السهام على صدره لا يسقط، وقائع يدركها الاخصام قبل الحلفاء.
ستة وأربعون عاماً مرت على تأسيس أفواج المقاومة اللبنانية “أمل”، ولا يزال هذا التنظيم متماسكاً على الرغم من خروج قيادات منه من الصف الأول، والسبب ان الإمام السيد موسى الصدر زرع فيه أسساً متينة عقائدية تنظيمية على تماس مباشر مع بيئته ومع الناس فلم يكن حديدياً، ومعروف ان التنظيم الحديدي اذا اهتز وقع.
ولدت امل عام ١٩٧٥، خُطِف إمامها وحاربت الاجتياحيْن، بيروت والجنوب، انتفضت في ٦ شباط فأسقطت اتفاق ١٧أيار ومرت عليها حروب وازمات كبيرة ولا تزال في الصف الأول وبالطليعة سياسياً وحزبياً، وعلى المستوى الشعبي وعلى الرغم من كل ما يقال لا تزال نقطة جذب قوية للناس من دون أي إغراءات مادية او حكم سلطوي ديكتاتوري.
وإذا كان المبرّر سابقاً المصالح الشخصية كما قيل في بعض الفترات، فقد انتفت هذه الأسباب حالياً مع اشتداد الازمة لكن لم تسقط حالة الجذب والانتماء، فيكفي ان تزفّ في منطقة ما حضور الرئيس بري اليها حتى تستنفر من كبيرها الى صغيرها وبساعات قليلة تتحول إلى موج بحرٍ أخضر على نفقات خاصة، فقد استطاعت الحركة ان تزرع نقاط تلاقٍ وتبني جسور عبور تجلّت بدور رئيسها الذي إن صمت يُسأل أين هو؟ وإن نطق تنشغل كل الأوساط بقراءة وتحليل خلفيات ما قاله، وإن دبّت الفرقة واستعصت الأزمة يُبحث عنه وعن أرانبه.
منذ ٢٠١٧، خرجت فئة من أصحاب الأحقاد الدفينة من عشرات السنين والمتضررة من وجود حركة أمل، الى الضوء وعملت بتقاطع مصالح مع قوى اخرى على شن أبشع حملات التشويه ضمن اوركسترا منظمة، لكن جمهور الحركة قد يكون أقل الجماهير تأثراً، فمع ظهور ثورة ١٧ تشرين توجهت الانظار الى الجنوب والبقاع وتبين على الرغم من كل المشاهد التي بُثّت وبالتواطؤ مع وسائل اعلامية، ان حجم الحراك كان محدوداً جداً وقد تم استغلال كل من له مصالح شخصية او احقاد قديمة او نقمة ما على عدم توفير خدمة او وظيفة لتظهير صورة ان جمهور الحركة انقلب ضدها لكن الواقع مختلف تماماً، إذ تبين أن لا احد من كوادرها انتقل الى ضفة اخرى او خرج منها وهذا الامر تنظيمياً يعتبر نقطة اساسية… تدل على التماسك والصلابة، فالمؤتمر العام لحركة أمل يضم ٨٠٠ شخص بين قياديين وكوادر ومسؤولي اقاليم ومكاتب عليا ومركزية وجيش من المسؤولين يجعل من المؤتمر العام من أكبر المؤتمرات العامة في المنطقة، يقررون السياسة من خلال اختيار القيادات التي تنبثق من المؤتمر والتي تعمل على إدارة الجسم التنظيمي وتضبط كل المفاصل، هذا كله بميزانية لا تذكر حتى قبل الازمة وعلى الرغم من ذلك يبقى الانتماء لها اعلى من المردود المادي الذي اصبح اليوم يقاس بـ” قروش”… منذ نحو الشهر فوجئت قيادة الحركة بالمشاركة في الاجتماع التنظيمي الذي عُقد لكوادر المكتب التربوي في الجنوب فقد حضر نحو ٥٠٠ شخص على نفقتهم الخاصة وهذا يعني ان القضية لا تزال مركزية ولم تهتز وفكر الامام الصدر لا يزال محفورا في اذهان وعقول الكوادر التنظيمية…
يُسأل قيادي في حركة أمل عن الذين خرجوا من امل نتيجة الازمة والتذمر والنقمة فيجيب: “اللي بدو يروح راح، ومن ليس مرتبطا عقائديا خرج والشجرة انهزت اكتر من مرة واللي بدو يهر هر وخلصنا وقيادات الصف الأول والثاني والثالث وحتى العاشر متماسكة”.
وحول العلاقة مع “حزب الله” وما اذا كان صحيحا ان هناك من ينتقل من الحركة الى الحزب؟! يقول القيادي لـ”لبنان الكبير”: “هذا الامر مبالغ فيه فكل الناس تعرف بعضها والتفاهم السياسي بين الحركة و”حزب الله” مضبوط وكالجبل لا تهزه ريح بقرار من القيادتين، نحن جسمان ولسنا واحداً وبالتالي الاختلاف بالرأي والمنافسة والتباين موجود لكن في السياسة العامة تفاهم الى اقصى الحدود، وهناك من عمل على التشويش على هذا الامر والتحقيقات الداخلية لأجهزتنا اثبتت ان هناك من وقع ضحية لعبة أجهزة مخابراتية وأشخاص مدسوسين وخصوصاً عبر التواصل الاجتماعي ولا سيما ضعفاء النفوس لكنهم قلة وتعمل لجان الضبط على مستوى المناطق على معالجة هذه الأمور التي يلتقطها المغرضون ويصوّبون من خلالها على الحركة او الحزب للقول ان البيئة تنقلب، الانتخابات قريبة والميّ بتكذب الغطاس”.
ويبقى التحدي الأكبر هو التحدي التمثيلي والمادي، إذ يؤكد القيادي “الاطمئنان الكامل للاستحقاق الانتخابي وهناك ورشة تغييرات ستحصل في المناطق كافة، وسيُجدّد لمن هو على علاقة مباشرة مع الناس ويعمل على تأمين خدماتهم ومراكز القرار تأخذ بجزء من الاعتبارات عدد الأصوات في الانتخابات السابقة، إذ قمنا بدراسات في كل المناطق للبحث عن الواقع من خلال لجان تم تكليفها مباشرة بعد الانتخابات السابقة وكُوّنت ملفات فيها كل المعطيات حول أسباب النجاح ومكامن الخلل والتي ستشكل اساساً في الترشيحات التي تتبلور مطلع السنة المقبلة”.
ويكشف القيادي ان “تغييرات ستحصل حتماً نتيجة التقارير والدراسات التي اعدتها اللجان ورُفعت الى القيادة، فإذا ارتأت القيادة انه لا بد من تغييرات فانه سيكون هناك تغييرات في مناطق وأسماء… الماكينات تعمل على قدم وساق بغض النظر عن المرشحين والميزانية متواضعة جداً جداً”.
لا خوف على حركة أمل، يتابع القيادي، “فهذا التنظيم له استمرارية، خُطف إمامه وكان لا يزال طري العود، حافظ على صلابته والتف حول رئيسه… الحركة غيرت وجه البلد وهذا الكلام ليس مبالغاً فيه، والتنكّر لتاريخها هو عمل مدسوس… الحركة يعني مقاومة الاحتلال، يعني ٦ شباط، يعني إسقاط ١٧ أيار، يعني رفض الإدارة المدنية، معركة العلمين، خلدة، رفض عزل المسيحيين والتعرض لهم، إعمار الجنوب والبقاع من دون تفرقة بين بلدة وأخرى”.
هذه هي الحركة يقول القيادي و”لن يغير واقعها احد مهما اشتدت الازمة، مذكرا انه في 1982 كانت المرة الأخيرة يُعيّن وزراء من خارج تمثيل بيئتهم وكانا آنذاك ابراهيم حلاوة وعدنان مروة في عهد الرئيس امين الجميل وحكومة شفيق الوزان ورئيس مجلس النواب كامل الاسعد، قبل أن يعيّن الرئيس نبيه بري وزيراً بقوته التمثيلية، ومنذ ذلك الحين انتهت مصادرة قرار الطائفة ودخلت بقوة إلى المشهد السياسي، ليضاف الى رصيدها الورشة التشريعية التي أثبت من على رأسها اليوم انه مايسترو وقيادي ومرجع وطني وسياسي من الطراز الأول… هذه هي الحركة وستبقى تتصدى لكل المخططات، وستبقى تنادي بالوحدة ثم الوحدة لأن الحروب لا تغير انظمة، إنما تخلّف مزيداً من الدمار ولا تنتهي الا على طاولة برعاية خارجية… هذا البلد لا يحكم الا بالتوافق والا سنبقى في دوامة الازمات… فاعدلوا قبل أن تبحثوا عن وطنكم في مزبلة التاريخ”.