رؤية “2030” التي أرادها “الأمير المجدّد” ولي العهد الأمير محمد بن سلمان استشرافاً لمستقبل المملكة في مدى منظور، وقفزة نحو التجدد والتطور والتحديث والانفتاح، قرأ الكثيرون معالمها ومفاعيلها في السياسة والاقتصاد حصراً، فيما هنا من جدة هذه الأيام نعيش أجواء البصمة الثقافية لهذه الرؤية.
صارت للمملكة وزارة ثقافة مستقلة بذاتها، أرادها ولي العهد أن تقود دفة الانفتاح الثقافي فأسندها الى شاب خبير في التحديث والحداثة، عارف بأهمية اللغة والتراث، مثقف بارع يؤمن بالنهضة، ابن الصحاري وأنيس الخيمة في البر، وأحلامه تعانق السماء… الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان.
هو “بيلدونغ العرب” المتحرك في الثقافات والثابت على الأصالة العربية. مصطلح “بيلدونغ” (Bildung) باللغة الألمانية يعني أن “الثقافة تصبو إلى بلوغ الكمال من طريق التعرف الى أفضل ما تم الوصول إليه فكراً وقولاً في كل ما يهمنا بصورة أساسية على مستوى العالم كله”.
فالاختلاف سنّة الحياة. البشر بطبعهم يجهلون بعضهم.
لكن ما يميز شعباً عن آخر هو قيمته الحضارية.
ليس الاستيراد والتصدير في التجارة فقط، إنما في الثقافة أيضاً. الثقافة سمة متلازمة للشعوب والأقوام، فهي تمثل جزءاً من الهوية بل هي الهوية كلها.
فحين تذكر الـ”سوشي” تتذكر اليابان، وعند ذكر الـ”سامبا” تحضر البرازيل، وإذا تحدثت عن الموضة كانت فرنسا في المقدمة.
أما في المسرح فتفوق الإنكليز مع وليام شكسبير وصحبه، وفي السينما قدمت “هوليوود” نموذجاً.
وكذلك في الشعر والأدب والاغنية، تمايزت شعوب عن أخرى، وكانت المنافسة وستبقى.
أما العرب فلهم ميدانهم.
تميزت مصر وبلاد الشام في مجالات متعددة.
أما الخليج العربي فكانت له خصوصية في نواحي الثقافة المختلفة، إلا أنه بدأ الانتشار عربياً.
والآن حان الوقت لتكون الثقافة العربية عالمية.
ليس من مبدأ التعريف بالحضارة العربية والإسلامية، إنما بالمنافسة والتفوق أيضاً.
وهذا مفتاح المستقبل، فالعالم تحول إلى مسرح صغير.
والأمير الشاب لا يريد للعرب أن يكونوا متفرّجين، بل فاعلين في الإخراج والتأليف والتمثيل والتسويق والإنتاج.
وهذا ما كان ينقصنا في المراحل السابقة، وهو الانتقال من المستهلك الثقافي إلى المنتج والموزع للثقافة.
هنا في جدّة التاريخية ترى نموذجاً متقدماً لرؤية ولي العهد وأفكار بن فرحان.
هنا الفولكلور، الموسيقى، العمران، التراث بكل أشكاله، الفنون بأنواعها، اللغة وانتشارها…
ولعل استقلالية وزارة للثقافة بكيانها في السعودية، خطوة في الطريق الصحيح لترافق الصحوة الاقتصادية والسياسية للخليج والعرب عموماً.
فلماذا لا نحلم بأن يكون مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي أهم مهرجان في العالم وتوزع فيه “الأوسكار” وينالها مخرج عربي؟ أو أن تكون القهوة العربية أشهر من النسكافيه، والعرضة النجدية معروفة أكثر من التانغو.
وعلى هذا المقياس يجب قياس الأمور: فليأتِ العالم إلى العرب… وليحضر العرب في كل العالم.
يقول سقراط: “تكلم حتى أراك”.
والعرب في حاجة إلى أنى يتكلموا عن حياتهم وتاريخهم وتراثهم وعاداتهم وتقاليدهم.
العرب لديهم الكثير من الكنوز الفكرية والروحية والجمالية، يجب أن تكون عالمية وستكون كذلك مع الأمير بدر.