“أحبائي… معركتي هي معركة بناء الدولة”، جملة قالها رئيس الجمهورية ميشال عون وسقطت منه سهوا أن يذيّلها بعبارة “بناء دولة التيار الوطني الحر”، فأقل ما يقال عن خطاب الرئيس عون إنه خطاب انتخابي موجه للتيار، ويمهد لكلمة رئيسه جبران باسيل الأحد المقبل.
فلو خرج باسيل الاحد الماضي مطالباً بالاستراتيجية الدفاعية ومستبقا كلام عمه رئيس الدولة، لبدأ الحلفاء والخصوم بسؤاله: من أنت لتطرح الاستراتيجية الدفاعية؟ ولماذا استفقت عليها اليوم بعدما أغدق حزب الله بالخيرات السياسية عليك وعلى عمك؟ وهذا الأمر لم ينفِه رئيس التيار القوي يوم قال النائب السابق نواف الموسوي في مجلس النواب إن الرئيس عون وصل إلى قصر بعبدا “ببندقية المقاومة التي تشرف كل لبنان”.
فمطلب الاستراتيجية الدفاعية يحتاج الى مظلة الدولة، ولذلك تكلم عنها رئيس الجمهورية، واضعا الأسس لباسيل ليبني عليها.
كلام عون عن الاستراتيجية الدفاعية لم يقضّ مضجع “حزب الله” ولم يستفزه أساسا، إنما ما استغربه الثنائي الشيعي في خطاب عون، وما أُخذ عليه، هو مطلب اللامركزية الادارية والمالية الموسعة، إذ رآه الثنائي مطلباً يتماهى الى حد كبير مع المطالبين بالتقسيم والفدرلة.
وتعني اللامركزية المالية أن الأموال التي تُجبى من منطقة معيّنة، تُصرف في إنماء المنطقة عينها من دون غيرها من المناطق. فهل طرح الرئيس عون هذا يُعد مقدمة للتقسيم؟ وهل هذا هو المشروع الذي يحمله عون وتياره؟ هذا هو الطرح الذي فاجأ حلفاء عون قبل خصومه وخلق لبسا في فهمه، ليس طرح الاستراتيجية الدفاعية!
مصادر رئيس الجمهورية تقول لموقع “لبنان الكبير” إن اللامركزية الادارية والمالية الموسعة ليست تقسيما، لا بل تعطي الجماعات نوعاً من الامان، والمناطق إنماءً متوازناً، وهو بند ميثاقي وارد في وثيقة الوفاق الوطني، ويجب تنفيذه، فيُبقي على وحدة المال والسياسة الخارجية وسياسة التشريع البرلمانية، ويُبقي على الجيش والأمن، غير أن المناطق تصبح تنمّي ذاتها بذاتها. باللامركزية نتفادى الفيدرالية والتقسيم، وباللامركزية تغيب المثالثات (الترويكا) والثنائيات، وتُبقي الحكم رهناً للتوافق الصحيح، ولا يرتد الحكم أوسوء الحوكمة على المواطنين في مناطقهم بخدماتهم الاساسية.
إذا، اللامركزية المالية الموسعة عنوان جديد لتململ حليفي مار مخايل، على الرغم من أن التفاهم لن يسقط، وكل طلقات التيار بوجه “حزب الله” ما هي الا رفعاً للسقف المالي الانتخابي الذي يطمح باسيل للحصول عليه من حليفه الأوحد.
خطاب رئيس الجمهورية استدعى موقفا من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. وكانت خلاصة مصارحتي عون وميقاتي أن أبواب الحلول مغلقة، والأزمة مفتوحة الأبواب، وستفكّك الدولة أكثر يوما بعد يوم. عون وتياره يطالبان بعقد جلسة مجلس الوزراء بمن حضر، أما ميقاتي فاعتبر أن المزايدة على اجتماع مجلس الوزراء قد تؤدي إلى “ما لا يحمد عقباه”. الثنائي الشيعي يطالب الحكومة بفصل مسار تحقيقات المرفأ وفقا للدستور، في حين أن عون وميقاتي يعتبران أن هذا المسار من اختصاص القضاء، لا مجلس الوزراء، على الرغم من أن الرئيسين يعترفان بأن المسار الذي يتبعه المحقق العدلي طارق بيطار غير دستوري… الى أن وصلت الحالة السياسية المأزومة الى حد رغبة بعض الاطراف السياسية بتعيين بديل من رئيس مجلس القضاء الاعلى سهيل عبود، في حين أن عبود محمي من الفرنسيين. كذلك فإن رغبة رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر بتعيين بديل من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مستحيلة، لأنه مدعوم أميركياً. وهذا ما يؤكده كلام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بقوله: “خلال الحرب لا يمكنك الاقدام على تغيير الضباط، نحن في وضع صعب ولا يمكنني في الوقت الصعب أن أغير الضباط”.
أخيرا، ما لم يقله عون وميقاتي، وما حملته مصارحتاهما بين السطور، أنهما لن يقويا على حل الأزمات السياسية، وسيتركان الأمور العالقة على حالها، والأزمة ستكبر، لتذهب البلاد بمن فيها فرق عملة… “واللي مش عاجبه يهاجر”.