للمرة الثانية خلال شهر تُغير إسرائيل على ميناء اللاذقية، بما يعتبر إقتراباً نادراً من الخط الأحمر للوجود العسكري الروسي في سوريا، الذي تتباهى به موسكو وتعتبره حضوراً ميدانياً للتدريب وتجريب الأسلحة الجديدة ومدى فعاليتها في اختبارات حيّة.
وتضرب إسرائيل مواقع تتبع لإيران أو لـ”حزب الله” في سوريا، إلا أنها نادراً ما تضرب مدينة اللاذقية، ولا سيما داخل الميناء، حيث يحتفظ الجيش الروسي بقاعدة عسكرية.
ولا تنفذ إسرائيل ضربات عسكرية بالقرب من مواقع روسية لتقارب العلاقات الروسية – الإسرائيلية، الأمر الذي جعل إيران تعمل على نقل أسلحتها بالقرب من الوجود الروسي.
وسبق لإسرائيل أن نفّذت غارة على هدف في مدينة اللاذقية عام 2018، حيث أسقطت الدفاعات الجوية السورية طائرة تجسس روسية عن طريق الخطأ، مما تسبب بمواجهة كبيرة بين إسرائيل وموسكو.
“روسيا في شرق المتوسط: فن التوازن”… هذا عنوان مقال في صحيفة روسية مؤخرا حول مكانة موسكو في منطقة شرق المتوسط وصداقتها مع دول متضاربة المصالح ومتعادية في آن معا.
وينطلق المقال عن حق من أرضية أن روسيا ممثلة في البحر الأبيض المتوسط، وخاصة في الجزء الشرقي منه، أفضل حتى مما كان الاتحاد السوفياتي في ذروة قوته الدولية.
وتتمثل إحدى المزايا النسبية التي تتمتع بها روسيا في شرق البحر الأبيض المتوسط في قدرتها على الحفاظ على علاقات بناءة مع أطراف متضاربة في النزاعات الإقليمية: مع السنة والشيعة، والإيرانيين والسعوديين، والإسرائيليين والفلسطينيين، والأتراك والأكراد، والإمارات وقطر…
لكن موقف الوسيط العادل والنزيه يصبح صعباً جداً في ظل الظروف التي يتصاعد فيها الصراع، ويرفع المتحاربون الرهان ويطالبون بالمزيد من المساعدة العسكرية أو الدعم السياسي من موسكو.
والآن تحديداً مع تصاعد التوتر بين تل أبيب وطهران على خلفية الملف النووي الإيراني، ستكون روسيا في موقف حساس جدا، بين “شريك” لها في الميدان السوري، أمنياً وعسكرياً وسياسياً، وبين “حليف” وثيق جداً له حسابات ومصالح حساسة في الميدان السوري، أمنياً وعسكرياً وسياسياً.
والتوتر مرشح للتصاعد أكثر بين “الشريك” الإيراني و”الحليف” الإسرائيلي، مع ارتفاع سخونة تهديدات تل أبيب بمنع ايران نووية ولو عسكرياً، وبالتالي فإن حراجة الموقف الروسي مرشحة أيضاً للتعقيد بين طرفين إقليميين قويين، يتقنان الرقص على صفيح ساخن، ولا يخشيان إشعال حرائق كبيرة… حينها فقط سيُختبر فعلا “فن التوازن” للدب الروسي، خصوصا ان حريقاً كبيراً سيُجبر الولايات المتحدة على العودة للانخراط في تفاصيل منطقة تحاول الهرب منها.