هل أخطأ سمير جعجع عندما “جيّر” الاكثرية الشعبية السنّية لمصلحته، متجاهلا عن قصد او غير قصد الرئيس سعد الحريري؟ وهل تسرّع احمد الحريري في اطلاق رد عنيف قوبل بردود مماثلة ومتبادلة عشية انتخابات نيابية مفصلية يتوقف على نتائجها مستقبل جعجع والحريري معا؟
الجواب نعم بالتأكيد ومن دون مواربة او اسباب تخفيفية، فلا جعجع يستقطب الاكثرية السنّية كي يدّعي ملكيتها، ولا تيار المستقبل يملك كل الملاعب السياسية كي يدّعي حراستها…
الواضح ان ثمة شرخا بين الرجلين لم يقفل بعد، وهو شرخ لم ينتج فقط عن هفوات او كيديات او تمايزات او نكايات فحسب، بل عن فقدان الكيمياء بينهما منذ اللقاءات الاولى، اذ ان ما جمعهما لم يكن الود المتبادل بل الظروف الاستراتيجية المواتية التي ارغمت الاول على التعاون مع شاب غير مجرب يحمل ارثا ثقيلا وارغمت الثاني على التعاون مع رجل مخضرم يملك ماضيا ثقيلا.
ولا يختلف اثنان على ان جعجع لا يمكن ان يتبنّى دور الرجل الثاني في اي حركة او مجلس او حلقة او مؤتمر، وإذا وافق فعلى مضض، وان سعد الحريري الذي يقود الشارع السنّي بعد والده الشهيد، لا يمكن ان يقبل داخل التيار السيادي بأقل من موقع لا تكون له فيه حرية التحرك وربما الكلمة الفصل في الملفات اللبنانية المحلية منها والاقليمية…
وسواء كان جعجع على خطأ او على حق، وسواء تسرع احمد الحريري او أصاب، فالوقت ليس وقت “مراجل” عبثية داخل الخط الاستراتيجي الواحد، ولا وقت تصفية حسابات تعود الى اكثر من ذريعة وسبب، انه الوقت الذي يتطلب من رجال الدولة طي صفحات قديمة وفتح صفحات جديدة عندما يغدو مصير شعب ووطن على المحك كما هي الحال الآن…
لقد اثبتت المسارات السياسية في لبنان بعد “الرابع عشر من آذار”، ان “القوات اللبنانية” لم تتمكن من فكّ عزلتها والحصول على بعض براءات الذمة، الا من خلال الشارع السنّي الذي قاده سعد الحريري، وان تيار “المستقبل” لم يتمكن من استيعاب الصدمة بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الا عندما وقف المسيحيون الى جانبه في مواجهة حزب الله والنظام السوري معا…
وهنا لا بد من السؤال: ماذا تغير كي يغرد كل فريق خارج التيار السيادي الموحد؟
الجواب يكمن في امر واحد، وهو ان جعجع انتقل من مجرد رئيس دائم لحزب الى مرشح دائم لرئاسة البلاد، وان سعد الحريري انتقل من مجرد رئيس لتيار الى مرشح طبيعي دائم لرئاسة الحكومة، وان الرجلين يعرفان ان رئاسة الجمهورية لن تكون ممكنة من دون “المستقبل” وان رئاسة الحكومة لن تكون متوازنة من دون “القوات اللبنانية” لكنهما يتصرفان وكأنهما يستطيعان الوصول الى مرامهما من دون الآخر ولو من باب المكابرة ليس الا…
وربما لا يدرك الرجلان ان ما يفعلانه في هذا المجال، انما يصب في مصلحة حزب الله والتيار الوطني الحر سواء شاءا ذلك او رفضاه، وسواء حصل كل منهما على حصة لا بأس بها في مجلس النواب، اذ ان المشكلة ليست مشكلة حصص بل مشكلة اكثرية، وليست مشكلة احجام بل مشكلة كيان بكامله…
والسؤال الذي يطرح على جعجع، ماذا لو جيّر الناخبون السنة في الدائرة الثالثة اصواتهم لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، المرشح الابرز الى رئاسة الجمهورية بدعم علني من حزب الله والنظام السوري، وماذا لو رفضت “القوات اللبنانية” تسمية سعد الحريري رئيسا لحكومة لا يملك فيها دعما مسيحيا وازنا يواجه به خصمه اللدود جبران باسيل؟…
ان مجرد التفكير في مثل هذه النتيجة يجر لبنان الى ما هو ابعد من جهنم فكيف لو كانت هي النتيجة لا محال…
مشكلة جعجع انه يجيد لعبة الصبر والثأر، فهو لم ينس تلك الاهانة التي تلقاها على الملأ في ذاك “الرابع عشر من آذار” ولم ينس تقديم خصمه الشمالي سليمان فرنجية عليه في معركة الرئاسة، والحريري لم ينس ما اسرّ به جعجع في آذان السعوديين، ولا انسحابه من حكومته خلال ثورة “السابع عشر من تشرين” ولا تخليه عنه خلال التسميات الحكومية، وهي ذاكرة لا تزال على الرغم من الضغط السعودي والاميركي والدولي اكثر صلابة من ممحاة النسيان…
ومشكلة جعجع ايضا انه يرفض الاعتراف بهزالة فرصه الرئاسية، متمسكا بنظرية القوي في طائفته اي النظرية التي تسلّح بها الرئيس ميشال عون للوصول الى الرئاسة الاولى، متناسيا انه يقف على مسافات متباعدة جدا مع معظم المفاتيح الانتخابية الحاسمة، المسيحية منها والاسلامية، ومشكلة الحريري انه لا يعترف بسلسلة أخطاء وخيارات وتنازلات سياسية ساهمت هي ايضا في تنفيس الزخم السيادي، ولا يقرّ في الوقت عينه بأن الثقة المطلقة في السياسة تقتل صاحبها، وان الشدة في غير مكانها تقتله ايضا؟ فهل هناك من ينصح الاول بالتحول من طامح رئاسي الى زعيم وطني على غرار ما فعله موارنة كبار من قبل، ومن ينصح الثاني بالتحول من رعيم سني الى زعيم وطني على غرار ما فعل رفيق الحريري ورياض الصلح من قبل، أقله قبل الانتخابات النيابية المقبلة على ان يصفيا بعدها ما تراكم من خلافات وما علق في النفوس من مآخذ وخيبات؟