في أقدارنا…

27 يناير 2022
في أقدارنا…
علي نون
علي نون

قيل الكثير وسيقال الاكثر منه في خطوة اعتزال الرئيس سعد الحريري العمل السياسي اللبناني بما فيه من طقوس وآليات وممارسات… بدءا بالانتخابات النيابية وصولا الى كل شيء سياسي آخر، أكان اهم من ذلك او اقل اهمية .

وانا المستعيذ بالله من هذه الكلمة، لست مهيئا نفسيا ووجدانيا وعاطفيا لارتكاب قراءة تحليلية لذلك الخطب الجلل بهدوء وموضوعية. بل اجزم بأن قلبي سيسبق عقلي في كل قول. وغريزتي الاولى ستطغى على أي منطق ممكن… وعلى الرغم من هذا، سأحاول بشيء من الخفر الافصاح عن بعض ما انتابني من “خلاصات” اولية بعد الإعلان عن تلك الخطوة غير المسبوقة في التاريخ الوطني الحديث والتي تقارب الاغتيال السياسي والمعنوي للرجل.

وفي ذلك تساءلت عن أقدارنا… وكيف انها حكمت (مثلا) ان يخرج سعد الحريري الى الاعتزال ويبقى جبران باسيل في مكانه! وان ينكفئ تيار او خط الرئيس الراحل الشهيد رفيق الحريري ويبقى تيار الرئيس ميشال عون حيث هو ! وان يعاني السياديون كل تلك الآلام والأوجاع جراء انكسار الميزان من حيث مبدئه قبل تفاصيله. إذ ان المواجهة “المدنية” تجري مع طرف مسلح هو حزب ايران. وامتشاق الدستور عندك معناه امتشاق الصاروخ عنده! والتزام الاطر الديموقراطية هو شأن حاسم في حراكك لكنه نسبي ومبهم ووسيلة حرب في حراكه! وبناء الدولة العامة هو برنامج عملك فيما تكريس الدويلة الخاصة هو جلّ مبتغاه ومسعاه ورأس جدول أعماله!

بهذا المعنى المبدئي يصير القبض على المعتقد المدني والسلمي والوطني اقسى على المعني من قسوة القابض بيديه على الجمر. ويصير التوجس صنو الهلوسة: هل من طريق ثالث لاستعادة السيادة من دون إقصاء السياديين؟ وإحياء الدولة من دون إكمال تدمير ما بقي منها؟ وحماية الدستور من دون الإمعان في انتهاكه؟ والركون إلى الشرعية من دون تخطيها عبر إعتماد الشارع و”ثقافته” وآلياته؟ وصون السلم الاهلي من دون إشهار السعي الى نسفه؟ والمحافظة على الميثاق الوطني وانشودة التعايش من دون إظهار التبرّم من شروطهما او إظهار اليأس من نجاعتهما؟ وهل ثنائية التعمير بعد التدمير لا تزال ممكنة او صالحة في عالم اليوم المأزوم طولا وعرضا وشرقا وغربًا وسلسلة معاركه وحروبه تكاد تأخذ الدنيا بما فيها الى مناخات الحروب العالمية الكبرى (هل هناك حروب عالمية صغرى؟)؟… ثم هل هناك طريقة ما لصون الحياة من دون استحضار آليات الفناء والعدم؟

ثم، هل أوصلنا حزب إيران وتابعه “الحر” بقيادة جبران باسيل وراعيه الأول، إلى معادلة أسدية تامة مفادها “نحن او الطوفان”!؟ وهل من مكان لا يزال متاحًا للوقوف فيه وعليه مع اصحاب تلك المعادلة الانتحارية والعبثية والتي اوصلت لبنان بجملته الى كل هذا البؤس؟

محاولة الاجابة تُعيد الى البدايات: اذا كان سعد الحريري غير قادر على تحمل وطأة اداء ذلك الثنائي فمن سيقدر على تحمله؟ واذا كانت الرحابة والاعتدال والوسطية والنفس التسووي وصفة لعلّة أكيدة فماذا يكون العلاج؟ وأي منظومة قيم يمكن الاستناد اليها لمخاطبة حزب ايران وحليفه؟

… أسباب كثيرة تدعو الى اليأس من وضع لبنان قبل إضافة سبب إعلان الحريري المدوّي، لكن من صفوة تلك الاسباب، يبقى في البال ان مخلوقا من طراز باسيل يمكن ان يستمر في لعب أدواره الفظيعة في البلد طالما انه صفوة حلفاء ايران وحزبها مهما ادعى العكس. وطالما ان ذلك الحزب لن يجد “افضل” وأسلس منه لمواكبة وإكمال المسيرة الى الترميد التام