في كل مرة يطل الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله اعلامياً، يثير قضايا حساسة، ويكرّر نفسه في تأكيد مهمته “المقدسة” الهادفة الى رمي لبنان في أتون الصراع الذي تخوضه ايران مع العالم لحماية سلاحها النووي.
يتحفنا السيد بعباراته أن “ايران تشكل نموذجاً للاستقلال والحرية في العالم الاسلامي”، متهجماً في الوقت عينه على “من يتحدثون في المنطقة عن الاستقلال والسيادة”، واصفاً إياهم بــ “أتباع السفارات”.
لقد غاب عن ذهن السيد أن نظام ولاية الفقيه الايراني الذي يتبعه هو من أكثر الأنظمة المدانة من المجتمع الدولي، بسبب انتهاكاته لحقوق الانسان، وتقارير المنظمات الانسانية تشير الى ممارسات وعقوبات همجية وبدائية من فقء العيون وبتر الأصابع والأيادي والرجم والجلد وقطع الأذان وتعذيب القاصرين إضافة الى الاعدامات. ولو كان هذا النظام مثالياً كما يدّعي نصر الله، فلماذا يتمرد الشعب الايراني ويتظاهر ضد حكم الفساد وآلة النهب والقمع الداخلي والارهاب الخارجي؟.
السيد مجرد جندي في ولاية الفقيه قالها مرة، وهو يؤكد في كلامه أنه مجرد بوق اعلامي للترويج لمواقف نظام الملالي في ايران، فيدّعي أنه لا يمكن للولايات المتحدة القيام بحرب ضد إيران وتخشاها، وهذا يعني بالنسبة اليه أن إيران تستطيع أن تخوض حرباً بحرية ضد الدول المجاورة خليجياً، وهو بالطبع ليس خارج هذا الأمر بصفته الجندي “الرجيم”.
ليس ذلك فحسب، فهو يؤكد أن اسرائيل اذا ارتكبت حماقة وقصفت ايران فالرد سيكون قاسياً!، وبطبيعة الحال “الحكي ما عليه جمرك” كما يقول المثل، والكل يتذكر ما بعد بعد حيفا إثر حرب العام 2006، ليتبين أن نصر الله أخطأ التحديد الجغرافي، إذ تبين أن طريق حيفا تمر بسوريا والعراق واليمن وغيرها، وحتى الآن لم تحقق صواريخه والـ 100 ألف جندي أي تقدم على طريق تحرير فلسطين.
لا تنتهي خبريات السيد عن مفاجآت يحضّرها للعدو، مستخفاً بعلياء بقدرات اسرائيل، ومتناسياً صراخه في حرب 2006 للتوصل الى اتفاق لوقف النار، على الرغم من “الخزعبلات” التي روّجها عن خيول وسيوف في وادي الحجير قاتلت لينتصر “حزب الله” على اللبنانيين كما تبيّن لاحقاً، من خلال استخدام سلاح قيل إنه لمقاومة اسرائيل، فإذا به سلاح يفتك بأهل بيروت والضاحية الشرقية ومناطق الجبل ويفرض سلطة التهريب والمخدرات على الحدود اللبنانية مع سوريا.
وليس هجومه على الأحزاب التي تشكّك بـ “حزب الله”، واتهامها بأنها تأتمر من السفارات الا لتصفير المقاومة، وعدم الاعتراف لأي قوة سياسية أخرى في لبنان بدور في مقاومة اسرائيل على الرغم من أن تحرير مساحة 83% جرى قبل صعود ما سمّي “المقاومة الاسلامية” المرتبطة بايران، بعدما عمل النظامان السوري والايراني على تنظيف الأرضية لها بالاغتيالات والتهجير والاعتقالات والاشتباكات المحلية.
وجديده اليوم كان تهجمه على الجيش اللبناني، المؤسسة التي لا بد من الحفاظ عليها ليسلم لبنان من الطامعين للسيطرة عليه، ولم يجد سوى السفيرة الأميركية دوروثي شيا لـ “يفش خلقه”، متهماً إياها بالتدخل في الانتخابات وبدعم مجموعات مدنية، ومستخدماً تعابير معيبة “لا تتعزّل” من اليرزة و”لازقة” بالجيش. والواضح أن نصر الله محشور في الانتخابات ولا يتورع عن اعلاء شأن سلاحه “أكبر بكثير منه الانتخابات”، وهي إشارة واضحة الى إمكان استخدام السلاح لمنعها أو فرض نتائجها بقوته.
والمضحك المبكي قوله ان الحزب “لا يتدخل في المفاوضات بشأن ترسيم الحدود”، علماً أن الجميع يدرك أن السلطة السياسية لم يكن بإمكانها بدء المفاوضات مع اسرائيل برعاية أميركية قبل أخذ موافقته.
وعلى طريق التهرب من مسؤوليته في تخريب العلاقة مع دول الخليج، ومن أجل “المطمطة” على الطريقة اللبنانية في عدم أخذ المواقف الواضحة والواجبة، أعلن أن لا مشكلة لديه في الحوار إنطلاقاً من مصلحة لبنان، وليس المصلحة المشتركة التي تضمن عدم الاعتداء على هذه الدول والتدخل في حروب المنطقة التي تستوجب “ضبضبة” ميليشياته والالتزام بالقرارات الدولية حتى لا يصبح لبنان دولة مارقة.
ووصف نصر الله قرار الرئيس سعد الحريري بالاعتكاف بــ “المؤسف”، متحدثاً عن أن فرص التعاون قائمة، الا أن الرد المستقبلي كان بسيطاً جداً وواضحاً: فليسلّم “حزب الله” سليم عياش قاتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
سعيد: نصر الله لا يعرف لبنان
وتعليقاً على كلام نصر الله لقناة “العالم” الايرانية، أكد النائب السابق فارس سعيد لـــ”لبنان الكبير”، أن مضمون كلام نصر الله الأساسي “يشير الى أنه قدم نفسه مسؤولاً عن لبنان كمقدمة لوضع اليد الكاملة عليه، بحجة أنه قدم تضحيات في مواجهة العدو الاسرائيلي وفي مواجهة التكفيريين، وحسب منطق كلامه فهو يريد القول للبنانيين بما أننا قاومنا وقاتلنا فمن حقنا اليوم أن نشكل لبنان الذي نريد على مثالنا”.
وأشار الى أن نصر الله “لا يأخذ التنوع الموجود في الكيان اللبناني في الاعتبار ولا تركيبته السياسية والطائفية والاجتماعية، فهو لا يعرف لبنان، بل جزءاً منه فقط. لبنان له قواعد، ولا يمكن أن يُحكم من طرف واحد، وتقف كل اندفاعة أي تنظيم عند حدود الطوائف، وهذا ما حصل في خلدة وشويا وعين الرمانة، وخلال الحرب الأهلية أيضاً، عندما نشأت تنظيمات غلبت ارتباطاتها الاقليمية على ارتباطاتها الداخلية، وحزب الله اليوم يغلب ارتباطه بإيران على ارتباطه بالمكوّنات اللبنانية المختلفة”.
وذكّر بأن “الحركة الوطنية خلال الحرب الأهلية غلبت علاقتها مع أبو عمار (ياسر عرفات)، كما غلب بشير الجميّل ارتباطاته وفق وجهة نظر معيّنة باقامة سلام مع اسرائيل. ماذا حصل؟ تم اغتيال زعيم الحركة الوطنية كمال جنبلاط بسبب العلاقة مع الفلسطينيين، وعندما حاول بشير أن يبقى على هامش الـ 10452 كيلومتراً مربعاً اغتيل أيضاً. اليوم حسن نصر الله يلغي كل الهوامش في علاقته التبعية مع ايران ليكشف أنه مجرد أداة فعلية للاحتلال الايراني الصافي للبنان”.