14 شباط واتصال موسكو من محطات الحضور المرتقب للحريرية

13 فبراير 2022آخر تحديث :
14 شباط واتصال موسكو من محطات الحضور المرتقب للحريرية
وليد شقير
وليد شقير

لا يشمل “تعليق العمل السياسي… بمعناه التقليدي” من قبل زعيم تيار “المستقبل” سعد الحريري مناسبة 14 شباط. إحياء الذكرى ببساطة، يرمز إلى الكثير، ولا يبدو أن ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري سيتوقف عن إنتاج الوقائع السياسية منذ الجريمة في العام 2005 .

قبل أن يقرر الحريري الإبن أن يغيب عن المنازلة الانتخابية في بيانه في 24 كانون الثاني الماضي، كانت التركيبة الحاكمة أمعنت في السعي لتغييب الحريرية السياسية وتهشيمها وتشويه الإرث الذي تركته للبنانيين خلال ما يقارب العشر سنوات ونيف قضاها الحريري الأب في رئاسة الحكومة (خرج منها بين العامين 1998 و2000 ) وأقل من تسع سنوات في الندوة البرلمانية سعى أثناءها لبناء ركائز اقتصادية لدولة مستقلة، فاعتُبر سعيه عملاً عدائياً للقوى التي أرادت استباحة البلد وتحويله إلى ساحة ثم إلى منصة لاستعداء الدول العربية ولا سيما الخليجية، فتم شطبه.


لكن الزعامة التي انعقدت له في هذه الفترة الوجيزة، والتي كان قاتلوه يتوقعون إنتهاءها بعد أسابيع، توسعت فاستنهضت المزيد من الجمهور وخلقت معادلة سياسية جديدة.


لفترة وجيزة انقلب شطب الحريري الأب على من أرادوا إزالة الركائز التي بناها، رغم كثير من المواجهات والمساومات التي اضطر إليها بهدف تحقيق ما يطمح إليه.

لكن استخدام القوة من قبل محور الممانعة أجهض الحركة الاستقلالية الثانية التي حاول سعد الحريري خفض خسائرها بتسويات “أتت على حسابي”، وأخفقت في تحقيق الهدف من ورائها، كما أقر في معرض تبرير العزوف عن خوض الانتخابات النيابية، حين قال في شرح أسباب قراره إن “لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الايراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة”.

وفي كل الأحوال فإن ما يجري على صعيد ممارسات الحكم منذ اعتذار الحريري الإبن عن عدم تأليف الحكومة في 15 تموز الماضي بعد استفحال خلافه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مروراً بتأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وصولاً إلى عطيل الحكومة 3 أشهر بالإضافة إلى مزيد من الاستئثار بالحكم واصطياد المواقع العليا في الدولة من قبل الفريق الرئاسي، خلال ما تبقى من أشهر العهد الرئاسي، جعل مناصري الحريرية السياسية يقتنعون أكثر بأن الابتعاد عن السلطة كان القرار الصائب لزعيم “المستقبل” ولتياره وجمهوره.


فمهمة الإنقاذ التي كان يفترض أن يعمل لها كانت فشلت حكماً.


شعور هؤلاء أن ترك الآخرين يتحملون مسؤولية إفشالها، على رغم كل ضررها المتمادي على البلد والناس، يغني الحريري عن تبرير أي تسويات جديدة كان سيضطر إليها من دون أي حصاد على صعيد وقف التدهور الذي بلغه ويمكن أن يبلغه البلد.

صحيح أن البقاء خارج “العمل السياسي التقليدي”، في السلطة وفي البرلمان، يحمل مخاطر إتاحة المجال لقوى سياسية معادية للحريرية السياسية أن تملأ الفراغ، ويضع الطائفة السنية في حال من التشتت في غياب نقطة الارتكاز التي تمحور حولها تمثيل طائفة رئيسة في البلد، إلا أن غياب الزعامة الحريرية عن الساحة الانتخابية وعن البرلمان لأربع سنوات مقبلة شكل في أقل من 3 أسابيع، حدثاً أربك القيادات السنية أيضاً وغذّى شعوراً بالغبن لدى الجمهور السني في المدن الرئيسة الثلاث بيروت، طرابلس وصيدا، وفي الأرياف، حتى لدى شرائح من هذا الجمهور كانت عابت على الحريري مساهمته في إيصال عون إلى الرئاسة، ومساوماته مع “حزب الله”.

وهو شعور تراكم منذ اغتيال الحريري الأب، وتمادى مع تنامي هيمنة الحزب على السلطة واستقواء الفريق الرئاسي بسطوته من أجل تعديل اتفاق الطائف والدستور بالممارسة. لكن الإرباك طال القوى السياسية قاطبة في البلد.

باتت الحسابات الانتخابية للحلفاء والخصوم معرضة لكثير من المفاجآت، ومتوقفة على مدى تأثير استنكاف جمهور الحريرية عن الاقتراع عليها، خسارة أو ربحاً. ويؤجل الحلفاء والخصوم حسم خياراتهم التحالفية على مدى بروز مرشحين من دائرة الولاء للحريرية السياسية من دون أن يكونوا منتمين لتيار “المستقبل” قد يستقطبون الجمهور السني.


ولهذا السبب يؤجل بعض الفرقاء حسم ترشيحات محازبيهم، وتحالفاتهم.


وينتظر بعضهم الآخر وجهة التعبئة التي سيعتمدونها لأن الأمر يتوقف على مدى بروز مرشحين سنة ليسوا بعيدين عن الخطاب السياسي ل”المستقبل”، أو على الانكفاء السني الذي يتيح لهم الإفادة منه لتكبير حجم الكتل المتعاونة معهم في السنوات الأربع المقبلة.

وهو ما عبر عنه الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصر الله بقوله مطلع الأسبوع: “حتى الآن المشهد غير واضح، ‏وعلينا أن ننتظر بعض الوقت كي يتبين الى أين ستذهب الامور مع انسحاب تيار المستقبل من الانتخابات النيابية‎”.

الوقفة على الضريح الإثنين إحدى محطات الحضور السياسي للزعامة الحريرية التي اعتقد خصومها أنها انتهت بالعزوف عن الانتخابات، على رغم رياء جزء من هذا البعض، بحرصه على عدم انكفاء مكون سياسي رئيسي.

الأرجح أنه لن تكون محطة الضريح الإثنين الوحيدة للتعبير عن استمرارية الحريرية على الساحة. وستفرض الظروف حضوراً في مواقيت محسوبة.

واتصال نائب وزير الخارجية الروسي، الموفد الخاص للكرملين إلى الشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف بالحريري يؤشر إلى محطات مقبلة قادمة.

وإذا كانت موسكو تهتم للإبقاء على اتصالاتها مع الحريري كما نقل المطلعون على فحوى المكالمة، فالمتوقع أن تحرص عواصم أخرى غربية على ذلك، خصوصاً ان السفراء في بيروت اهتموا بالانعكاسات السياسية لقرار العزوف.

بوغدانوف نفسه ذكّر في الاتصال، لمناسبة ذكرى 14 شباط، بدور رفيق الحريري في تحسين العلاقات اللبنانية والعربية ولا سيما الخليجية مع موسكو بالعلاقة التي نسجها مع فلاديمير بوتين، والمعزة الخاصة التي تكنها القيادة الروسية له.

ورغم أن بوغدانوف يدرك أن الحريري لن يعود عن قراره العزوف عن الانتخابات فإنه تمنى عليه ذلك مردداً بأنه “صمام أمان للبلد كرمز للاعتدال” وبأن موسكو ستستمر في التواصل معه. والحريري شدد على أنه من جهته سيواصل اتصالاته مع موسكو نظراً إلى دورها الأساسي في المنطقة. ولم يستبعد المطلعون على نتائج الاتصال أن يزور الحريري موسكو في مرحلة مقبلة.

فالجانب الروسي يخشى من الفراغ والتشتت في الساحة السنية وينوي متابعة أوضاعها في الأشهر المقبلة.

المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع “بيروت نيوز” بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و”الموقع” غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.