عون… الرجل الذي يصل متأخراً!

15 فبراير 2022
عون… الرجل الذي يصل متأخراً!
أنطوني جعجع
أنطوني جعجع

كل شيء في أروقة بعبدا يكاد يوحي بأن الرئيس ميشال عون يخطط أو يحاول التهرب من الاستحقاق الانتخابي المرتقب في الخامس عشر من أيار، على الرغم مما يتردد عن حماسة لديه لاجرائها مهما كان الثمن…

فالرجل، يعرف أنه دخل قصر الرئاسة صديقاً أو حليفاً للجميع، وأنه يوشك الخروج منه خصماً أو عدواً للجميع، الأمر الذي يحبط كل المحاولات التي بذلها ولا يزال لنقل الخلافة الرئاسية والقيادية الى صهره النائب جبران باسيل.

ويعرف الرجل أيضاً، ولو في قرارة نفسه، أن صورة “الجنرال” التى ارتسمت في وجدان الشريحة الكبرى من المسيحيين لم تكن أكثر من وهم، هامساً أمام المقربين منه، أن ما يتعرض له من المنشقين يكاد يكون أقسى وأكثر أذية من حملات خصومه التقليديين.

وليست الاطلالات والاجراءات الأخيرة التي اتخذها الرئيس عون الا ترجمة لحال الارتباك التي يعيشها بعد تلقيه تقارير موثوقة تشير الى مدى التراجع الدراماتيكي في رصيده الشعبي أولاً، ورصيد صهره ثانياً، ومدى الانشقاقات التي تضرب “التيار الوطني الحر” حتى في صفوف صقوره وحرسه القديم.

وتكشف مصادر قريبة من عون، أن الاخير لن يوفر فرصة متاحة، لتأجيل الانتخابات التشريعية والاحتفاظ بالغالبية الحالية، باعتبارها القوة الوحيدة المضمونة اما لتمديد الولاية واما لخلق فراغ يشبه الفراغ الذي سبق انتخابه رئيساً للجمهورية، ويشتري له بعض الوقت الثمين.

وتذهب المصادر بعيداً الى حد القول إن عون، الذي خرج من قصر بعبدا في العام ١٩٩٠ مهزوماً لن يخرج منه في العام ٢٠٢٢ مهمشاً، مشيرة الى أنه سيحاول في الأسابيع والأشهر المتبقية من عهده أن يعيد الى أذهان مناصريه صورة “البطل” الذي لا يهزم أو “المنقذ” الذي لا ينكسر.

وتضيف أن ما جرى في كنيسة مار مارون أخيراً لم يكن الا محاولة هندسها جبران باسيل وباركها عون، لشد العصب “العوني”، وإفهام البطريرك بشارة الراعي أن الجنرال هو مرجعية الموارنة وهو من يقرر في أي اتجاه يمضون وأي خيار سياسي يلتزمون، وإفهام الرئيس نبيه بري أن الشارع ليس حكراً على الشيعة عموماً وحركة “أمل” خصوصاً، وإفهام من يعنيه الأمر، أنه لا يزال الأقوى مسيحياً والأكثر حضوراً في البيئة المسيحية، والأكثر قدرة على انتزاع الغالبية النيابية المقبلة.

وليس من قبيل المصادفة تلك المقابلة التي أجراها أخيراً، وتهجم فيها على حاكم مصرف لبنان ووليد جنبلاط وسمير جعجع، مركزاً على “صلابة” جبران باسيل، في خطوة هدف من خلالها الى أمرين أساسيين: إحراق ورقة رياض سلامة في الحسابات الاميركية، وتحميله كل أوزار الحالة الكارثية التي تعصف بلبنان وشعبه، والانتقال علناً من مرحلة عون الرئيس الى مرحلة عون الناخب الساعي بما تبقى له من رصيد شخصي، الى تهميش الخصوم الذين يمكن أن يتحولوا الى “خلفاء” محتملين أو الى مساهمين في انتزاع غالبية تشريعية بديلة عن الغالبية الحالية.

وأكثر من ذلك، لم يكتف عون بذلك، بل هاجم الاستحقاق الانتخابي من خلال محاولة الطعن بالدائرة السادسة عشرة أمام المجلس الدستوري، ثم من خلال التلطي خلف الشح المالي الذي قد يمنع تمويل العملية الانتخابية، ثم من خلال تفجير خلاف مع الثنائي الشيعي عبر تعيينات خاطفة غير توافقية، في محاولة بدت وكأنها تهدف الى جر الوزراء الشيعة الى خارج الحكومة، وشل أي قدرة شرعية أو رسمية مؤهلة للاشراف على الاستحقاق الكبير.

وتكشف مصادر قريبة من عين التينة أن ما فعله عون كان رداً على تردد بري في دعم لوائح “التيار الوطني الحر” في المناطق المختلطة، ورداً على “حزب الله” الذي يحاول تحقيق “نصر انتخابي مضمون” في لبنان للتعويض عن خسارة ايران في بغداد وتعزيز ورقة المفاوضين الايرانيين في فيينا .

ويستند “حزب الله” في محاولته هذه، ليس الى دعم “التيار الوطني الحر” وحسب، بل الى دعم النواب السنة الذين يمكن أن يصل بهم الى مجلس النواب مع انسحاب تيار “المستقبل” من المعركة الانتخابية، والى تعليمات جاءت من طهران بضرورة تقديم تسهيلات في بيروت للحصول على مرونة من الاميركيين في موضوع رفع العقوبات.

وثمة عامل آخر وراء القصف العشوائي من قصر بعبدا، ويتمثل في فشل الزيارة التي قام بها الى دار الافتاء في كسب أي تعاطف سني يحتاج اليه لدعم باسيل ومرشحيه في غير مكان.

هذا في الشكل، لكن هناك ثمة محاولات في الكواليس يبذلها عون مع الاميركيين المتحمسين لإجراء الانتخابات النيابية في لبنان على غرار الحماسة التي أبدوها في بغداد قبل أشهر، وهي محاولات يحاول خلالها تسهيل أمور الانتخابات والمفاوضات الحدودية البحرية مع اسرائيل، في مقابل رفع العقوبات الاميركية عن كاهل جبران باسيل وتبنيه مرشحاً رئيسياً أو وحيداً الى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو أمر لا يبدو سهل المنال بعد تصاريح من واشنطن تتعامل مع باسيل وكأنه من الماضي البعيد.

وهنا لا بد من السؤال، هل بقي أمام عون أي وسيلة أخرى للتهرب من الامتحان المر أو لتعويم تياره على الأقل؟

نعم يستطيع تعويم نفسه اذا استطاع أن يعلن حرباً حقيقية على “حزب الله” تجر وراءه البيئة المسيحية وربما السنية، واذا استطاع أن يخرج بطلاً من المفاوضات البحرية الحدودية مع اسرائيل، واذا استطاع أن يضع رياض سلامة في السجن، واذا استطاع أن يضيء لبنان أربعاً وعشرين ساعة على أربع وعشرين، واذا استطاع أن يطبع علاقات لبنان مع دول الخليج…

وفي معنى آخر، لا مجال أمام عون الذي يصل دائماً متأخراً، أن يحقق أياً من كل هذا، ولم يبق أمام فرص التأجيل الا وقوع حرب عالمية ثالثة على خلفية الأزمة الروسية – الاوكرانية، واستغلال ايران الانشغال الاميركي بمواجهة روسيا في أوروبا ومواجهة الصين في تايوان لتنقض على لبنان بمن فيه وعلى من فيه.

المصدر لبنان الكبير