إنتخابات؟

24 فبراير 2022
إنتخابات؟
علي نون
علي نون

باشر حزب ايران في لبنان حملته الانتخابية استناداً الى طقوسه المألوفة والمعروفة زائداً عليها هذه المرة جرعات من الخطاب المسلح بما فيه من توعدات وتخوينات وتهديدات سافرة ومباشرة تارة ومغطاة ومبهمة تارة أخرى.

ولأنه “ضليع” بالممارسة الانتخابية بكل تفاصيلها وأدبياتها، فهو لا ولم يتورع عن إشهار خلاصاته قبل أن تبدأ تلك الانتخابات، وفي ذلك اختصار للعملية برمتها سلفاً، بحيث أن نتائجها لن تغير شيئاً على مستوى السلطة الفعلية ولا على مستوى التركيبة المتحكمة بالقرارات الكبرى، السيادية وغيرها، وأن هذا الترف الغربي المنشأ والمصدر والإلهام لا يسري في نواحينا العزيزة ولا تؤخذ أحكامه على محمل الجدّ ولا على محمل المزاح!، ومن يعتقد غير ذلك يكون واهماً أو عبيطاً أو مراهقاً سياسياً لا يصلح للشغل العام.

عدا عن ذلك وأهم: من يراهن على صناديق الاقتراع لمقارعة صناديق الذخائر والصواريخ في لبنان ليس سوى متآمر على المقاومة ويرتبط بقوى أجنبية تريد رأسها.

وحسم الخلاصة والنتيجة سلفاً لا يعني تراخياً أو تغييراً في الأدبيات والممارسات المعلنة والمتبعة بل تثبيتاً لها: الانتخابات معركة كبيرة بل تقارب أن تكون حرباً تامة وحارة بأساليب باردة.

وعدّة الحرب تبدأ بدقّ النفير واستنهاض الهمم وتكبير حجم ووزن العدو المتأبط شراً ثم إنزال كل المدد البشري على الأرض لضرب ذلك العدو والمؤامرة التي يسعى اليها…

وذلك لأن الشكل بأهمية المضمون عند جماعة الانتصارات الربانية المستدامة: الانتخابات لا تغير شيئاً فعلياً لكن الآخر المعادي النازل من موقع مختلف هو عدو ويجب منعه من تحقيق أي إنجاز حتى لو كان على مستوى خرق هنا أو هناك، وبمقعد نيابي أو اثنين أو ثلاثة، بل يجب منعه من الاستئناس باللعبة من أولها، وإفهامه حدود المسموح والممنوع والفارق الجوهري بين الرأي السياسي و”الشغل” السياسي.

في الحالة الأولى احكي قدر ما تشاء طالما أن الحكي مجاني ولم يسبق أن اشتراه أحد لتعديل أدائه أو توجهاته أو ارتباطاته، لكن في الحالة الثانية تختلف الحسابات وتتعدل المقاربات وفي ذلك توضع ثنائية الحياة والموت في رأس جدول الأعمال وتحضر المقدسات على الطاولة ويكثر اللغو المنسل من السلاح ووهجه المشع، وتصير الحاجة موجبة لتذكير الجميع بواقع الحال والميزان ولو استوجب الأمر الذهاب الى هلوسة “التوازن الجوي” مع العدو الاسرائيلي!.

والواضح أن ذلك وُضِع موضع التنفيذ من خلال توسيع دائرة المستهدفين وربطهم بالسفارات الأجنبية والانخراط في مشاريع معادية مدفوعة الثمن واعتبارهم في الأساس عملاء وليس أقل من ذلك.

وهذا يستدعي تحريك الجيش الالكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي لإطلاق حملة ترهيب لا سقف لها واستخدام أطر “أهلية” لتوجيه تهديدات واضحة بالاستهداف الموازي لفعل التخوين والعمالة.

الحزب الايراني المدجج بالسلاح لا يستطيع تغيير طبعه وطبيعته: يذهب الى ممارسة مدنية بثيابه العسكرية.

وينخرط في أداء تحت سقف الدستور اللبناني لكنه لا “يؤمن” بهذا الدستور ولا يترك عقيدته لحظة واحدة. ويشارك في “الحياة السياسية” المحلية لكنه يجاهر بارتباطه بمنظومة الولي الفقيه الايراني.

يدخل الى البرلمان اللبناني من دون أن ينصاع الى قوانين البلد ولا الى أعرافه وموازينه وتركيبته، ثم يخرج الى كل ساحة عسكرية تريده طهران فيها. اذا خسر الأكثرية مع حلفائه لا يترك المنتصر يحكم ويتحكم، واذا فاز لا يعرف كيف يحكم ويتحكم بل يُفرز أزمات مصيرية وغير مسبوقة مثلما حصل بعد الانتخابات الأخيرة في العام ٢٠١٨. يدّعي أدواراً وقدرات عابرة للحدود الوطنية لكنه لا يتحمل صوتاً واحداً منافساً في أصغر قرية محسوبة له وعليه. يجاهر بالدعم الآتي اليه من طهران وبتبعيته لقيادتها لكنه يتهم كل مخالف بقبض ثمن مواقفه من الأميركيين وغيرهم.

“يبكي” على انكفاء سعد الحريري عن المشاركة في الانتخابات لكنه يبدأ عملية واسعة النطاق لاختراق بيئته السياسية والمذهبية وإستغلال الموقف لزيادة عدد النواب السنّة التابعين له والعاملين معه، ويتدخل في النسيج المسيحي والدرزي لكنه لا يسمح لأحد أن يتدخل في مداره المذهبي الخاص.

حتى في أيام الوصاية السورية وأتباعها الأمنيين المحليين، لم تصل العملية الانتخابية الى ما وصلت اليه في أيام الوريث المسلّح المربوط بإيران… كانت بعد انتهاء الحرب وبدء العمل بدستور الطائف لا تزال تدلّ على الأوزان والأحجام وتتمات وترجمات ذلك بالسياسة والمؤسسات الشرعية، وطبعاً تحت سقف إستراتيجية الوصي السوري وتوجهاته العامة.

وكانت في مكان ما، تعبيراً عن التزام ذلك الوصي، صاحب القرار الدمشقي بأصول وشروط وصايته التي وضعتها “الرعاية” الاقليمية والدولية لقرار وقف الحرب في لبنان ونقل البلد برمته الى مرحلة نقاهة قبل الابلال الاخير… الذي لم يحصل!.

… بقيت الانتخابات حتى اللحظة الاخيرة تحوي شيئاً من السياسة وشيئاً من اعتماد صندوق الاقتراع طريقاً للمشاركة في السلطة التنفيذية وشيئاً من الفوضى اللبنانية المسماة حرية… وغير ذلك كثير. وزبدة القصد هو أنها لم تكن عديمة المعنى مثلما هو حاصل اليوم، الا اذا كان هناك من يفترض فيها استفتاء للبنانيين إزاء أحوالهم الراهنة ونظرتهم إلى شؤون بلدهم الكبيرة والصغيرة وكيفية اصطفافهم تبعاً لانتماءاتهم الطائفية والمذهبية والحزبية، وكأن ذلك في جملته لا يزال غير مرئي أو واضح ويحتاج الى إنتخابات نيابية لرؤيته واستيضاحه!.

… ترف لا لزوم له في زمن المحل والقحط. ومثلما أن حزب ايران لا ينتظرها لتقرير “ماذا يريد” فان غالبية اللبنانيين لا تنتظرها لتعلن رأيها الفعلي والحقيقي بذلك الحزب والكوارث التي أنزلها بلبنان وتكاد تنهيه تماماً.

المصدر لبنان الكبير