لا شك في أن خبر إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المفاجئ عن عملية عسكرية ضد أوكرانيا هزّ الرأي العام العالمي ولكن في ذهن الرئيس بوتين، لم تستقل أوكرانيا يوماً ولطالما شكلت جزءاً من روسيا، حسب قراءة للمحلل أندرو كواي.
وعلى الرغم من إعلان بوتين في بيانه أن الهدف من هذه الخطوة هو الدفاع عن الانفصاليين في شرق أوكرانيا، من دون أن يشمل ذلك “احتلال الأراضي الأوكرانية”، أظهرت التقارير انفجارات في جميع أنحاء الدولة الواقعة في شرق أوروبا، بما في ذلك في العاصمة كييف.
وشنّت القوات الانفصالية المدعومة من روسيا ضربات واسعة النطاق ضد القوات الأوكرانية.
وذكرت صحيفة “الغارديان” أمس أن ذلك كله جزء مما وصفه وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، بأنه “غزو واسع النطاق”.
وأكد كوليبا أن المدن الأوكرانية السلمية تتعرض للضربات في حرب عدوانية، تستدعي تدخل العالم لإيقاف بوتين.
إذاً كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد ولماذا قرر بوتين غزو أوكرانيا؟ المسألة معقدة بلا شك ولكن بالامكان محاولة شرحها.
في الأصل، يعتبر بوتين أوكرانيا جزءاً من روسيا ويركز مراراً وتكراراً على العلاقة التاريخية بين الدولتين.
وهذا ما ظهر جلياً في الخطاب الذي ألقاه الاثنين وأكد فيه أن أوكرانيا ليست مجرد دولة مجاورة بل جزء لا يتجزأ من التاريخ والثقافة والمساحة الروحية لروسيا.
ببساطة، يبدو أن بوتين يتبنى وجهة النظر القائلة بأن أوكرانيا يجب أن تكون جزءاً من الأمة الروسية. كما أنه شدد في مقال نشر في تموز 2021، على أن الروس والأوكرانيين والبيلاروسيين جميعهم من نسل الروس الكييفي، أي ما يشير إليه باسم “روسيا القديمة”.
وشكلت كييف مقر السلطة لهذه الدولة في العصور الوسطى، والتي استمرت من أواخر القرن التاسع إلى منتصف القرن الثالث عشر.
وتعني الجذور المشتركة التي يذكرها بوتين، أن الروس والأوكرانيين هم في الحقيقة “شعب واحد، كل واحد”.
ومع ذلك، وفقاً لمعهد “تشاتام هاوس” للبحوث السياسية، فإن فكرة “الأمة الروسية الثلاثية” هي في الحقيقة أسطورة.
وهي تقلل من أهمية “الأساس الأوروبي الجوهري الذي بُنيت عليه الهويات الوطنية الأوكرانية والبيلاروسية”. وبغض النظر عن الجدل الدائر حول ما إذا كان الأوكرانيون والروس هم حقاً “شعب واحد”، بنى بوتين على تأكيداته لتوجيه أصابع الاتهام إلى القوى الغربية التي سعت على حد تعبيره، الى “تقويض وحدتنا، من خلال صيغة فرّق تسد”.
ثم ظهر التدخل الغربي في أوكرانيا مرة أخرى في خطاب بوتين في 21 شباط 2022، وأشار خلاله إلى احتجاجات ميدان 2014 على أنها “انقلاب” حصل “بمساعدة مباشرة” من دول أجنبية. ووفقاً لصحيفة “الغارديان”، اندلعت احتجاجات ميدان 2014 عندما أدار الرئيس الأوكراني، الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش ظهره في ذلك الوقت لمحادثات اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي. وشهدت التظاهرات التي أعقبت ذلك خلع يانوكوفيتش، الذي تبعه في النهاية هجوم روسيا وضم شبه جزيرة القرم.
وفي الآونة الأخيرة، يبدو أن الرئيس الأوكراني الحالي فولوديمير زيلينسكي قد نقل البلاد بعيداً عن روسيا وأقرب إلى الغرب، بعدما أعلن عن هدفه في الحصول على عضوية الناتو. كما كثر الحديث عن استضافة الجيش الأوكراني تدريبات عسكرية مشتركة مع قوات الناتو. وصنّف بوتين هذه التحركات بأنها جزء من استراتيجية عسكرية جديدة تتمثل في “المواجهة مع روسيا وإشراك دول أجنبية معادية لها في الصراع”.
وشكلت صداقة أوكرانيا المتزايدة مع الغرب ذريعة للعدوان الروسي الأخير، بحيث طالب بوتين سابقاً بضمانات قانونية بأن أوكرانيا لن تنضم إلى الناتو. وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية أن الشراكة العسكرية الأوكرانية العميقة مع الولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى اعتبرت كتهديد وجودي لموسكو.
وعلى الرغم من تصريح رئيس الولايات المتحدة جو بايدن بأن عضوية أوكرانيا في الناتو لا تزال غير مؤكدة، واصلت روسيا حشدها العسكري على حدود أوكرانيا.
لكن ثمة سبب آخر أيضاً، يرتبط ارتباطاً وثيقاً برؤية بوتين لأوكرانيا باعتبارها لا تنفصل عن روسيا، يمكن أن يتمثل في طموح الرئيس الروسي الى استعادة إمبراطورية روسية.
وفي كانون الثاني 2021، ذكرت “رويترز” بمعاناة بوتين من انهيار الاتحاد السوفياتي قبل ثلاثة عقود. وتحدث بوتين في تعليقات بثت في فيلم وثائقي عن تفكك روسيا التاريخية عقب نهاية الاتحاد السوفياتي.
وتغذي مثل هذه التعليقات التكهنات بأن الهجوم على أوكرانيا جزء من طموحات بوتين الإمبريالية. واليوم بعد دخول بوتين العام الثالث والعشرين من حكمه، يبدو أكثر تصميماً من أي وقت مضى على ترسيخ إرثه كرجل يضع على رأس الأولويات، استعادة روسيا لأمجادها السابقة”.