كل يوم يمر يشعر اللبنانيون أكثر فأكثر أنهم في واد والسلطة في واد آخر أو كأنها تعيش على كوكب آخر وهبطت فجأة عبر مركبة فضائية الى أرض أقل ما يقال فيها انها باتت تدور خارج المدار الطبيعي للكون في زمن تسير عقاربه عكس المنطق والمألوف.
وبينما الناس غارقة من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها في مشكلاتها الحياتية التي تحاصرها على مدار الساعة، وتزداد الضغوط عليها الى حد قطع الأنفاس وصعوبة التحمل لتزيد تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على همومهم هموماً، يتلهى المسؤولون بالمناكفات وبالمواقف والمواقف المضادة والانقسامات حتى على جنس الملائكة إلا أن المطلوب واحد: الانقاذ.
وفي وقت يتصدر الحديث عن الانتخابات النيابية الأولويات على الساحة السياسية، يجمع اللبنانيون على أن البلد بات بحاجة الى مخلص بصفات بطولية ليعبر بالبلاد والعباد الى بر الأمان.
ويعتبر البعض أن الانتخابات المقبلة ربما تجسد حبل الخلاص الذي ينتشل الجميع من قعر الهاوية عبر وجوه جديدة في البرلمان تعمل بذهنية مختلفة مع أملهم في أن يشكل “السياديون” كما يطلقون على أنفسهم، جبهة موحدة داخل المجلس لتغيير المشهد السياسي.
في حين أن البعض الآخر يرى أن الانتخابات لن تغّير شيئاً، وبالتالي، قرروا العزوف عن التصويت لأن ذلك “مضيعة للوقت” خاصة بعد أن توضح المسار الانتخابي من التحالفات وأسماء المرشحين الذين يطبق عليهم المثل القائل: “تِيتي تِيتي متل ما رحتي متل ما جيتي”.
وهؤلاء يعربون عن خيبة أمل لأنهم بعدما رفعوا في تحركات 2019 شعار “كلن يعني كلن” علهم يغيّرون في الوجوه من نواب ووزراء وصولاً الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، باتوا على قناعة اليوم أكثر من أي وقت مضى، وعلى مسافة شهرين من موعد الاستحقاق الدستوري، وبعد الاعلان عن معظم المرشحين، بأن الانتخابات المقبلة لن تعيد الى البلد سيادته، والى الناس كرامتها، وأن من خيّب آمالهم على مدى سنوات لن يستخدم زر انقاذه السحري بعد شهرين.
وفيما تؤكد الوقائع أن نتائج الانتخابات لن تأتي بجديد ولن تخرق المشهد المألوف الا بنسب قليلة خاصة في الدوائر المسيحية، تبقى الأسئلة التي يطرحها اللبنانيون: هل الانتخابات النيابية لعام 2022 تكتسب أهمية خاصة وستكون فعلاً محطة أساسية في تقرير مستقبل لبنان؟ ولماذا اعتبار هذا الاستحقاق تحديداً مفصلياً طالما أن خريطة التحالفات وأسماء المرشحين والكتل النيابية ستأتي على صورة سابقاتها؟ وماذا يعني إحجام عدد كبير من اللبنانيين عن الادلاء بأصواتهم واعتبارهم الانتخابات المقبلة “مضيعة للوقت” لأنها ستأتي بالأشخاص الذين صمّوا آذانهم عن مشكلاتهم؟
تراجع في نسب الاقتراع
ويتوقع الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين “أن يكون هناك تراجع في نسبة المقترعين من حوالى 49 في المئة سنة 2018 الى أقل من 40 في المئة في انتخابات 2022”.
ويقول: “نتوقع تراجعاً في نسبة الاقتراع ولكن ليست لدينا أرقام في هذا الاطار انما تتبلور الصورة أكثر بعد إقفال باب الترشح.”
ويلفت الى أن “الجو العام الاقتصادي والاجتماعي وقناعة الشعب بأن الوجوه نفسها ستعود الى البرلمان، كل ذلك يخلق جواً من الاحباط بحيث أن عدداً كبيراً من المواطنين يعتبرون أنهم غير قادرين على التغيير، وبالتالي الانكفاء عن الاقتراع”، مشدداً على أن “الانتخابات ليست في أولويات فئة لا يستهان بها من الناس الذين يركزون على همومهم المعيشية الكثيرة والمتنوعة من غلاء البنزين والمازوت الى أزمة الخبز والطحين وسعر صرف الدولار وغيرها، بمعنى أن الأزمات اليومية هي التي تستحوذ على اهتمام كثيرين”.
الناس محبطة والبديل ليس جاهزاً
ويرى نقيب المعلمين السابق نعمه محفوض أن “الأزمة الاقتصادية ترخي بظلالها بقوة على الناس الذين يهتمون بتأمين لقمة العيش بحيث أصبحت الانتخابات في آخر سلم أولوياتهم كما أنهم من خلال تعاطي السلطة مع موضوع الانتخابات، أصبحوا غير واثقين بأنها ستجري في موعدها.
وفي حال حصل الاستحقاق، فإن الوجوه نفسها تعود على اللوائح من دون الأخذ في الاعتبار أن مئات الآلاف نزلوا الى الشارع، وكأن هناك نكراناً لما يحصل، أو أن المسؤولين يحكمون غير الشعب اللبناني. كل ذلك، زاد في الاحباط اضافة الى أن البديل ليس جاهزاً حتى الآن”.
ويؤكد أن “تغيير الأكثرية ليس المهم بل تصويب البوصلة نحو الهدف الصحيح بحيث أن الدولة مخطوفة ويجب استعادتها واستعادة البلد”، متسائلاً: “أين هم الأحزاب والسياديون الذين لم نسمع صوتهم عما حصل في معرض الكتاب؟.
هذا السكوت من بعض السياديين يؤدي الى تمدد السلاح في البلد”.
ويعتبر أن “الانتخابات استحقاق يجب أن يجري في موعده على الرغم من كل الشوائب، ولكن يجب استعادة البلد أولاً من الخطف ثم نتحدث عن اصلاحات ومحاربة فساد”.
ويضيف: “اذا استطاعت قوى التغيير مع المعارضة والسياديين تقديم لوائح موحدة وهادفة، فبذلك يعطون أملاً للبنانيين المحبطين في بيوتهم، وحينها نقول ان الانتخابات محطة نضالية في طريق التغيير، اما اذا استمروا في التشتيت، فعلى الدنيا السلام “.
ويشير الى ضرورة “التصويب في الاتجاه الصحيح واستعادة البلد من الخطف في كل المناسبات والاستحقاقات سواء بالانتخابات أو بغيرها خاصة وأن مشكلات الناس في واد والمسؤولين في واد آخر”.
التغيير الطفيف غير كاف لاحداث فارق
ويلفت الباحث والكاتب السياسي مروان أيوبي الى أن “حجم التوقعات قد يكون أكبر من الواقع، وشعور الناس أن لا امكان للتغيير الكبير، ترك أثراً على قرارهم في عدم التصويت”.
ويوضح أن ” قوى التغيير لا تزال عالقة في خلافاتها وفي كيفية التعاطي مع الاستحقاق”، معتبراً “أننا سنشهد تراجعاً في نسب الاقتراع لأسباب متعددة، منها: أن الناس لا ترى أن هناك بديلاً جدياً عن السلطة، وتعددية المرشحين التي تضيّع الناس، وانكفاء الرئيس سعد الحريري سيؤدي الى انكفاء الطائفة السنية تحديداً.
كلها عوامل تؤثر على نسب التصويت والاقتراع، والسلطة تستفيد من هذا الجو وتعيد تعويم نفسها”.
ويقول: “بعد 17 تشرين كان المناخ الحقيقي عند الناس بضرورة التغيير، لكن الاشكالية ليست في المزاج العام للناخب انما في عدم شعوره بجدية قوى التغيير.
وبالتالي، فإن الناس يريدون التغيير ولا يريدون انتخاب المنظومة، ولكن لا يجدون البديل”.
ويتحدث عن “جبروت السلطة الذي شكله حزب الله، والذي يجعل كل القوى تحافظ على الوجوه نفسها”، معرباً عن اعتقاده أن “الانتخابات فرصة لن تتكرر في حال استطاعت المجموعات تقديم شخصيات تثق فيها الناس، ولكن الى الآن لا تسير الأمور في هذا الاتجاه”.
ويرجح “أن يكون البرلمان المقبل على صورة البرلمان الحالي مع تغيير طفيف غير كاف لاحداث فارق في حياة اللبنانيين”.