عدو ما من صداقته بدٌ؟

26 مارس 2022
عدو ما من صداقته بدٌ؟
 عالية منصور
عالية منصور

لم تكن مفاجئة صورة بشار الأسد في الامارات وإن أعلن الكثيرون تفاجؤهم، والشعور بالمفاجأة شيء والشعور بالخيبة شيء آخر، ولذلك كانت الصورة خيبة من الخيبات الكثيرة التي يعيشها السوريون، لاسيما أنها أتت في لحظة كانوا يحيون فيها الذكرى الـ11 لاندلاع ثورتهم، ولكنها ليست مفاجأة.

قبل أشهر قليلة زار وزير الخارجية الاماراتي عبد الله بن زايد دمشق. مثلت الصورة يومها خيبة لكثيرين أيضاً، وكثيرون توقعوا أن يغط بشار الأسد في أي لحظة في الامارات فقد قيل حينها إنه تلقى دعوة لزيارة معرض “اكسبو دبي 2020”. يومها أيضاً قيل الكثير عن دور محتمل للامارات في ترتيب العلاقة بين نظام الأسد واسرائيل، كما قيل اليوم الأمر نفسه وخاصة بعد زيارة ولي العهد الاماراتي الشيخ محمد بن زايد الى مصر، والقمة الثلاثية التي جمعته والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت في شرم الشيخ.

جزم الكثيرون بأن بشار الأسد كان حاضراً كأحد ملفات النقاش بين الثلاثة. كما جزم الكثيرون بأن الوقت مناسب لاعادة بشار الأسد الى الحضن العربي، (الذي لم يكن أحد أركانه يوماً ليعاد اليه ولكن…)، وخاصة مع انشغال روسيا بحربها على أوكرانيا، فلا بد من أحد “ينقذ” الأسد من براثن ايران.

لا أظن أن أحداً لا يزال واهماً أن بشار الأسد قد يميل الى صالح العرب يوماً وأمنهم واستقرارهم ويترك ايران، هو الذي لم يفعل قبل الثورة فلماذا يفعلها بعد أن “أنقذته” ايران وميليشياتها من السوريين الثائرين ضد حكمه؟

جاءت زيارة الأسد الى الامارات بعيد الأنباء عن قرب التوصل الى اتفاق نووي بين الدول الكبرى وايران، وفي لحظة باتت المنطقة كما العالم ينتظر رفع الحرس الثوري الايراني عن قوائم الارهاب، على الرغم من كل ما ارتكبه ويرتكبه من ارهاب، لم يكن آخره قصف محيط القنصلية الأميركية في أربيل واستهداف منشآت نفطية في المملكة العربية السعودية على يد ميليشيا الحوثي المدعومة والموالية للحرس الثوري. كل ذلك لم يجعل من الولايات المتحدة ورئيسها يعيدان النظر في موضوع التوصل الى اتفاق مع الايرانيين بأي ثمن.

ففي لحظة قرر فيها العالم مصالحة الارهاب الايراني مراهناً على أنه قد يتراجع عن ارهابه، مع أن لا دوره الاقليمي ولا صواريخ ايران الباليستية جزء من الاتفاق النووي، لن يكون مستغرباً إن قررت دولة الامارات وغيرها ربط نزاع مع ايران وأذرعها في الدول التي سيطرت عليها مقابل كف شرورها عنهم ووقف استهداف أمنهم ومواطنيهم. هل لو حصل ذلك سيشكل خيبة جديدة لكل من ثار على ايران وأذرعها ايران وميليشياتها من سوريا الى لبنان والعراق؟ نعم بكل تأكيد.

ولكن ليست الامارات وحدها، فبعد شعور حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة بأن الادارة الاميركية تخلت عن مسؤولياتها تجاه أمن المنطقة، بات الجميع يشعر بضرورة التحرك بمعزل عما تقدمه أميركا من تنازلات في فيينا، لتشكيل تحالف اقليمي ليس بالضرورة لمواجهة ايران وانما ربما لربط النزاع أو تجميده مع ايران وأذرعها في المنطقة، وقد يكون ما عجزت موسكو (وقبل أعوام من انشغالها بحربها على أوكرانيا) عن الالتزام به تجاه اسرائيل في ما يتعلق بابعاد “خطر” المليشيات الايرانية عن حدودها تستطيع أن تنجح فيه ايران إن هي أرادت.

يبقى أن نتابع مجريات الأمور في لبنان والعراق وليس في سوريا وحسب، فبعد اعتراف العالم بالدور الايراني صاحب الكلمة الفصل في العراق، يبدو أن البعض صار يدعو وإن على خجل، الى التعايش مع الدور الايراني في لبنان، فـ”حزب الله” يسيطر على جميع مفاصل الدولة اللبنانية تقريباً وقد تمنحه الانتخابات المقبلة فرصة السيطرة الكاملة “دستورياً” إن حصل على الثلثين في مجلس النواب، وكي لا يبقى لبنان منصة للاعتداء على دول المنطقة، فربط النزاع معه مقابل القبول بالدور الايراني قد يكون حلاً بالنسبة الى البعض.

أما سوريا فلمَ لا؟ فنظام الأسد الأب كما الولد لطالما كان ايراني الهوى، ومن ينسى أن سوريا حافظ الأسد وقفت ضد جميع العرب مع ايران في الحرب العراقية – الايرانية، ومع ذلك تعايش معها الجميع؟ فكيف واليوم ايران باتت تسيطر على سوريا ومفاصل ما بقي من الدولة والمؤسسات؟

القول إن دولاً عربية قد تشكل تحالفاً مع اسرائيل لمواجهة ايران من دون رعاية أميركية هو قول مبني على تفاؤل مفرط، بينما جميع الأحداث تدل على أننا نتجه الى ربط نزاع مع ايران، وما لم تناقشه الادارة الأميركية مع طهران في فيينا، لمَ لا تطرحه الدول المعنية إن بالمباشر أو عبر وسيط يشبه بشار الأسد؟

وحدهم من ثاروا ضد الأسد وايران وميليشياتها في المنطقة سيشعرون مجدداً بالخيبة، ولكن الطبيعة تكره الفراغ، وللأسف الغائب الأكبر عن جميع طاولات المفاوضات هو من يمثل طموحاتهم.