عندما وقّع التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية على “تفاهم معراب” الذي أوصل ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، كان الهدف منه هو إختصار المسيحيين بفريقين يعتبران أنهما الأقوى على الساحة، ومن حقهما تقاسم كل المغانم والمكاسب في العهد القوي الذي أوصل البلاد الى الانهيار الكامل.
وقتها، دافع الفريقان عن هذا التفاهم، إنطلاقا من طموح جبران باسيل بخلافة عمه ميشال عون في رئاسة الجمهورية بعد تعبيد الطريق أمامه خلال ست سنوات، ومن تطلع سمير جعجع الى تحقيق حلمه التاريخي معتبرا أن دعمه لوصول عون قد يخوله الدخول الى قصر بعبدا عند إنتهاء العهد العوني عملا بالاتفاق على تقاسم المناصب، حتى بات بعض القواتيين والعونيين يتجاهلون سائر الفرقاء المسيحيين في البلد الذين أطلق عليهم باسيل ذات مقابلة تلفزيونية لقب “الفراطة”.
لم يصمد تفاهم “معراب طويلا” بعدما إصطدمت طموحات باسيل وجعجع ببعضها البعض، فالأول عمل على قاعدة “ما لنا لنا وما لكم لنا ولكم”، والثاني حاول الاستيلاء على أكثرية المكاسب إنطلاقا من الدَين الذي له في رقبة التيار العوني بايصال زعيمه الى رئاسة الجمهورية، ما أدى الى تفرق العشاق، وسقوط شعار “أوعا خيك” ليدخل الفريقان في حرب إلغاء جديدة لكن بطابع سياسي صرف.
منذ ذلك الحين، وباسيل وجعجع يخوضان السباق للوصول الى لقب “المسيحي القوي”، وإذا كان الأول تمكن من إستيعاب صدمة ثورة 17 تشرين والانطلاق مجددا بشعارات شعبوية ترجمت بشكل أكبر في حملته الانتخابية حيث فاجئ اللبنانيين بشعار “إنتخبوا الكهرباء ولا تنتخبوا المولدات” ما أثار حفيظة البعض وسخرية البعض الآخر من هذا الدجل السياسي غير المسبوق و”الضحك على الذقون” والاستهزاء بذاكرة الناخبين، فإن جعجع سارع الى خلع الثوب السياسي وركوب موجة الثورة، فتبدل خطابه وخطاب نوابه وأركان القوات 360 درجة، حتى ظن البعض بأن القوات ولدت من رحم الثورة ولم تكن شريكة أساسية في الحكم منذ العام 2005، وفي هذا الانهيار بدعمها وصول ميشال عون تحت شعار الرئيس القوي، ومشاركته والتماهي معه في أول سنتين من عهده.
على مسافة 25 يوما من الاستحقاق الديمقراطي المتمثل بالانتخابات النيابية المقررة في 15 أيار المقبل، تدور المعارك بين التيار والقوات في كل المناطق اللبنانية، وتتجاوز الحدود الى الاغتراب حيث يبدو واضحا أن ثمة محاولات عرقلة من بعض البعثات الدبلوماسية المحسوبة على التيار الوطني الحر لعمليات الاقتراع المقررة قبل إسبوع من إستحقاق 15 أيار، في الدول التي يؤيد فيها الناخبون القوات أو مجموعات الثورة والمجتمع المدني، وذلك بهدف تقليص عدد الناخبين وتلافي تأثيرهم على نتائج الانتخابات في الداخل اللبناني.
واللافت، أن الفريقين لم يوفرا دائرة يمكن أن يكون لهما حظ في إيصال نائب فيها إلا وفرضوا نفسيهما عليها، ومنها دائرة الشمال الثانية وتحديدا طرابلس التي يتسلل التيار الوطني الحر إليها عبر لائحة “الجمهورية الثالثة” التي تضم مرشحا عونيا مستترا على المقعد الأرثوذكسي، ويقتحمها حزب القوات بمرشح عن المقعد الماروني، وإذا كانت حظوظ المرشح العوني ضعيفة، فإن القوات ورئيسها سمير جعجع يبذلان جهدا كبيرا في دعم مرشحها وتسويقه، خصوصا أن فوزه سيعطيها نائبا إضافيا من خارج حساباتها.
ربما غاب عن بال التيار والقوات معا أن طرابلس ترفضهما فرادى ومجتمعين، فالأول لديه تاريخ من الاساءات لهذه المدينة، والثانية يفصل بينها وبين الطرابلسيين جدار عال مضمخ بدماء الرئيس الشهيد رشيد كرامي، ومهما حاول جعجع إستخدام “مستحضرات التجميل” وصوغ الكلام المعسول، فإن المدينة على موقفها من هذه القضية الوطنية بأنها “لم تسامح ولن تنسى”.
ولا شك في أن مبالغة جعجع في إظهار محبة طرابلس والحفاظ عليها، تضاعف من غضب الطرابلسيين كونها تجافي الحقيقة والمنطق والتاريخ، لذلك، فإن المقعد الماروني في طرابلس من المفترض أن يشهد ردة فعل عنيفة قد تصب في مصلحة المرشح سليمان جان عبيد على لائحة لـ”الناس”، والذي يخوض معركة “منع حصول القوات على مقعد في طرابلس” وهذه المعركة تعني الكثيرين من أبناء المدينة الذين بدأوا بعدون العدة لها.