خاض حزب “القوات اللبنانية” الانتخابات تحت شعار السيادة… هو وحده الحزب السيادي، الذي لم يسلم منه حتى الحلفاء السابقون وأولهم الرئيس سعد الحريري.
ولكن الغريب أنه لم يمس برئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، على الرغم من أنه ينتهج السياسة نفسها للرئيس الحريري بربط النزاع مع “حزب الله”، والحفاظ على أكبر قدر ممكن من السلم الأهلي، ما يدل على وجود قطبة مخفية في خطاب “القوات”، وتحديداً ضد الرئيس الحريري.
أما الشق الثاني من هذا الخطاب فقد ارتكز على مكافحة الفساد، الذي يتهم به منافسه في الساحة المسيحية “التيار الوطني الحر”، مدعوماً بسلاح “حزب الله”، عبر تسويق فكرة السلاح يغطي الفساد.
ونجحت هذه الاستراتيجية مع “القوات”، لكنه كان دائماً ما يتجنّب التصويب على حركة “أمل” والرئيس نبيه بري، إلا لجهة تغطيته الحزب عبر موقعه الرئاسي.
ولكن الأمر يبدو مختلفاً اليوم، فبعد التقدم الكبير الذي أحرزه “القوات”، يبدو كأنه نسي “حزب الله”، وأصبح سلاحه ثانوياً بالنسبة اليه، ومعركته اليوم هي معركة رئيس مجلس النواب والرئيس بري تحديداً.
المشهد اليوم يشبه إلى حد بعيد المشهد بعد انتخابات العام 2005، حين حصلت 14 آذار على الأكثرية النيابية، وسوّقت فكرة انتخاب شخص آخر غير بري رئيساً لمجلس النواب، بل ان شخصية شيعية من خارج الثنائي سوقت لنفسها مؤكدة جاهزيتها لتولي المنصب، وكان لدى 14 آذار دعم دولي وإقليمي كبير، حتى أن من قاد معركة “إسقاط” بري يومها، كانا السفيران الأميركي والفرنسي جيفري فيلتمان وبرنارد إيميه، الأمر الذي دعا بري يومها إلى الرد عليهما بالقول: “ربما فات هؤلاء أنني لست مرشحاً للكونغرس الأميركي، ولا للجمعية الوطنية الفرنسية”، مضيفاً: “أي فخر أكبر من أن تواجهك أميركا وفرنسا.
فخر لي أن أترشح مقابل هذا الرفض، فإن فزت، فسيكون فوزاً عظيماً، وإن خسرت فهي خسارة عظيمة وأكثر من مشرّفة، فأن تخسر أمام أميركا وفرنسا معاً أمر مهم جداً، وأي شخص يتمناه، فكيف إذا ربحت وانتصرت؟”.
ونال بري يومها ما أراد وانتصر بـ 90 صوتاً انتخبته لرئاسة المجلس.
اليوم ليس هناك من شيعي خارج الثنائي، ولبنان أصبح خارج اهتمامات المجتمعين الدولي والاقليمي فعلياً، بل انهما تركا البلد في شبه عزلة، وليس أدل على ذلك من ابداء الادارة الأميركية وعبر مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط دايفيد شينكر، خيبتها من نتيجة الانتخابات، معتبرة إياها دون المستوى لتغيير أي معادلات في لبنان.
فما هو رأي “القوات” الحقيقي اليوم؟ هل يسير مع بعض ركب الثورة ويرشح شخصية غير شيعية لرئاسة المجلس؟ ولماذا يعارض انتخاب بري؟ وما هو رأي “الثنائي الشيعي” في كل ما يحصل؟
أكدت مصادر تدور في فلك “القوات” لموقع “لبنان الكبير” أن “حزب القوات ليس في معرض المس بالميثاقية التي يقوم عليها البلد، هذا خط أحمر، بل يؤكد فقط اعتراضه على أداء الرئيس بري، إن كان لجهة تغطيته سلاح حزب الله، أو لجهة تعطيله المجلس سابقاً، عندما كانت هناك قرارات مصيرية يراد طرحها، وهو يريد ضمانات بألا يعطل المجلس كما حصل سابقاً، عندما كان الخط السيادي يملك الأكثرية النيابية، وأقصى هذا الاعتراض هو بورقة بيضاء، وليس ترشيح شخصية غير التي أجمع عليها المكون الشيعي.
أما لجهة حزب الله، فالقوات واقعي جداً في هذا الملف، ويعلم أن تسليم السلاح غير وارد اليوم، ولكنه يريد في المرحلة الأولى أن يحصر قرار الحرب والسلم بيد الدولة اللبنانية عبر حكومتها المنتخبة شرعياً، وطبعاً لن تجد أحداً يمانع الدفاع عن البلد في حال هجوم حربي عليه، إن كان من اسرائيل أو غيرها، ولكن لا يمكن للحزب أن يجر الحرب على لبنان عبر عمليات اتخذ قرارها بنفسه، قرار الحرب والسلم يجب أن يكون بيد الحكومة حصراً، أي بأيدي اللبنانيين”.
أضافت المصادر: “حتى اليوم، في ملف استخراج الغاز، لا يرى حزب القوات أن الحل هو عبر تسرع حزب الله، فأمينه العام يهدد بضرب منصات التنقيب الاسرائيلية، ولكن الديبلوماسية لا تسير بهذه الطريقة، أولاً يجب أن يتجه لبنان الرسمي، بإجماع كل مكوناته إلى مجلس الأمن، وبما أن الحزب أعلن مراراً وتكراراً عن قوة الردع لديه، بل وينقل تفاخراً عن الإعلام الاسرائيلي اعترافه بقوة ردعه، يمكن للبنان إعطاء مهلة لمجلس الأمن لحل النزاع، وإن ماطل، قد يتجه كل اللبنانيين وليس القوات فقط إلى الوقوف خلف حزب الله لتحصيل حقوق لبنان، ولكن سيكون بقرار اللبنانيين وبإجماعهم، لا أن تكون فئة استفردت بالقرار، مما قد يجعله عرضة لفكرة تنفيذ الأجندات الإيرانية، بدل حماية الحقوق اللبنانية.
ولكن هذا لن يحصل فحزب الله، لا تهمه لا حقوق لبنان، ولا حمايته، بل أصبح خطابه أن معركته مع السعودية في اليمن أهم من معركته مع اسرائيل، وهو بهذا ينفذ الأجندة الإيرانية، ولن يكون يوماً حامياً للمصالح اللبنانية.
وإن اتفقت إيران مع أميركا وأمرت بالتخلي عن حقوق لبنان النفطية، فسنرى مبررات الحزب بعدم استهداف المنصات الاسرائيلية حتى لو طلب اللبنانيون منه ذلك”.
من جهتها، رأت مصادر “الثنائي الشيعي” أن “خطاب القوات شعبوي فقط، بهدف الحصول على أكبر قدر من المقاعد الممكنة، واستطاع تحقيق ذلك عبر ماكينة إعلامية ضخمة، لم يسبق لها مثيل في الانتخابات اللبنانية، سفراء دول عظمى، ساهموا في تقدم القوات على الساحة الانتخابية، ولكن على الرغم من كل تقدمه لم يستطع هذا الحزب تخطي التيار الوطني الحر، الذي قد لا يتفق الثنائي معه في كل الملفات، ولكن كل الاختلافات تسقط عند الحد الاستراتيجي”.
أما عن رئاسة مجلس النواب، فشددت المصادر على أن “مرشحنا الوحيد اليوم الرئيس نبيه بري، وهو في حد ذاته بُعد المقاومة الاستراتيجي، ويستطيع حزب القوات أن يصدح ويصرح ويعترض، ولكنه في النهاية سيجد نفسه أمام مطرقته في مجلس النواب.
أما القوى التغييرية التي تعارض انتخابه، فسيندم أولئك الذين لن ينتخبوه بعد تعاملهم معه في المجلس، فهو وباعتراف الجميع، حتى القوات، الذي يحاول تحسين موقعه المحاصصاتي فقط، أكثر شخصية براغماتية، وأكثر من سيساعدهم في إقرار القوانين الاصلاحية، وتحديداً القوانين التي يمكن أن تعبر بلبنان إلى الدولة المدنية، هذا طبعاً إذا كان هدفهم الإصلاح، وليس رأس المقاومة، لأنه عندها سيكون أول المتصدين لهم، وسيتعلمون درساً وطنياً اسمه نبيه بري”.
انتهت الانتخابات، وبدل أن يكون العنوان النهوض بالبلد، يبدو أن لبنان أمام مشهد انقسام عمودي، قد يكون أشد من الانقسام الذي تلى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بحيث أن البرامج الإصلاحية تغيب اليوم عن تصريحات النواب، ويعلو صوت انقسام المحاور.
وإن استمر الخطاب بهذه الطريقة، فيمكن للبنانيين أن يودعوا ودائعهم التي نهبت، ويترقبوا المجاعة التي حذرت منها المنظمات الدولية.