يكابر حزب القوات اللبنانية بعد الصفعة الموجعة التي تعرض لها في الجلسة الأولى لمجلس النواب، والتي أكدت نتائجها بما لا يقبل الشك، بأنه لا يمتلك أكثرية نيابية، ولا هو قادر على نسج تحالفات مع قوى سيادية أو تغييرية أو ثورية تساعده على تبديل المشهد البرلماني، خصوصا بعد فوز الرئيس نبيه بري بأكثرية (65 صوتا) ونائبه إلياس بوصعب بالأكثرية نفسها، وخسارة مرشحه زياد حواط (38 صوتا) أمام آلان عون (65 صوتا) في إنتخابات أمين السر الماروني في هيئة مكتب المجلس بفارق (27 صوتا).
كما يبدو، أن الدكتور سمير جعجع لم يخرج بعد من الصدمة النيابية التي أظهرت أن كل المؤتمرات الصحافية التي عقدها وكل التصريحات التي أدلى بها عقب إنتهاء الانتخابات النيابية سواء حول الأكثرية والأقلية، أو تلك التي وضعت شروطا ومواصفات وإملاءات على رئيس مجلس النواب ونائب الرئيس، كانت مجرد “سراب يحسبه الظمآن ماء”، حيث سرعان ما أبطلت نتائج إنتخابات الرئيس بري ونائبه بوصعب وهيئة المكتب “البروباغندا” السياسية التي إعتمدها جعجع على مدار أيام، وأزالت التضخم الذي حاول الايحاء به للخصوم.
وعلى قاعدة أن “الحكي ما عليه جمرك”، لجأت قيادة القوات اللبنانية الى رفع السقف في مواقفها السياسية بهدف التعمية عن الخسارة التي تعرضت لها في مجلس النواب، حيث سارع جعجع الى فرض “الحُرُم” على كل رئيس جمهورية أو رئيس حكومة يدعمه حزب الله، كما شن بعض نوابه وكوادره هجوما عنيفا على الحزب وحلفائه لزوم التعمية المطلوبة، ما يؤكد أن القوات التي ما تزال ترفض الحقيقة النيابية وتفتقر الى الواقعية السياسية، تتجه إما الى تعطيل كل الاستحقاقات الدستورية في بلد لا يحكم إلا بالتوافق الكلي أو الجزئي، أو الى عزل نفسها خصوصا أن كثيرا من المستقلين والتغييريين يرفضون طروحاتها، بينما يعتبرها “النواب الثوار” واحدة من أركان المنظومة السياسية التي تسببت بالانهيار، خصوصا أنها كانت في حكومة الرئيس سعد الحريري خلال ثورة 17 تشرين قبل أن تنقلب عليها وتركب الثورة.
تنصح مصادر سياسية مواكبة قيادة القوات بأن تكون أكثر تواضعا، خصوصا أن “النرجسية” التي تتعاطى بها والانتصارات الوهمية التي تحاول إستثمارها، غير قابلة للصرف، وهي لم تترجم في الجلسة النيابية الأولى، لافتة الى أنه عندما كان هناك مصالح ومكاسب لجعجع في العام 2016 وضع يده مع التيار الوطني الحر، وبدأ الترويج لمرشح حزب الله العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، كما لم يتوان عن الاشادة بوزراء الحزب في مقابلة تلفزيونية، وبتبرئة وزراء الطاقة البرتقاليين من الاتهامات الكهربائية في أحد الخطابات.
وتسأل هذه المصادر: ماذا لو تبدل المشهد السياسي ودعم حزب الله ترشيح سمير جعجع لرئاسة الجمهورية؟، هل سيقطاع جعجع “الحكيم”؟ وهل سيرفض نواب القوات إنتخابه إلتزاما بقرار رئيس حزبهم؟.
يمكن القول، إن القوات بدأت تتخبط سياسيا، بعدما وجدت نفسها عاجزة عن التأثير في مجلس النواب وأنها في أفضل الأحوال لا تستطيع أن تمون إلا على 38 صوتا نالهم مرشحها زياد حواط، وهذه الأصوات قابلة للتناقص وليس للزيادة، وذلك بحسب مصالح بعض السياديين والتغييريين الذين تبدلت أصواتهم بين موقع وآخر في الجلسة النيابية، علما أن الانهيار الكبير الحاصل لا يسمح لأحد بالترف، وبالتالي فإن الانقاذ الذي تُجمع عليه الكتل النيابية من تقليدية أو تغييرية أو ثورية لن ينتظر إستفاقة جعجع وقواته من حلم إمتلاك الأكثرية والتحكم بالسياسة اللبنانية.
كل ذلك، يفرض على القوات اللبنانية في حال أرادت المشاركة الايجابية أن تعود الى الواقعية السياسية، وأن تخفف من رفع السقوف لأنها ستجد نفسها مضطرة عاجلا أم آجلا للنزول الى ما دون تلك السقوف.