يعود للنواب “التغييريين” (ولو أنهم بحاجة الى إختراع إسم جديد) أن يكسروا الأكثريّة المستجدة التي تشكلّت في إنتخابات هيئة مكتبة المجلس النيابي، إذ بإستطاعتهم تغيير مسار الأمور داخل البرلمان وإضعاف محور الممانعة الذي أعاد لملمة صفوفه بسرعة فائقة بعد الهزيمة السياسيّة والمعنويّة الكبيرة التي مُني بها في صناديق الإقتراع والتي تمثّلت بسقوط بعض أبرز رموزه صغاراً وكباراً.
ولكن قبل تحديد الخطوات التي يمكن إتخاذها بغية تحقيق هدف حرف المسار المتشكل حديثاً في المؤسسة التشريعيّة الأم من قبل هؤلاء النواب الجدد، لا مناص من التمييز بين إنتخاب رئيس المجلس ونائبه. في الإنتخاب الأول، لم يكن من مجالات جديّة للمناورة، فالثنائي صدّ كل محاولات إقتناص أي مقعد منه (ترغيباً وترهيباً، ولذلك نقاش آخر)، وحال عمليّاً دون “تسلل” أي نائب جديد إلى ساحة النجمة.
هذا الواقع سد كل منافذ التغيير المحتملة في رئاسة المجلس وجعلها تؤول مجدداً إلى الرئيس نبيه بري لدورة سابعة. أما نيابة رئاسة المجلس فعكست صفقة سياسيّة صنعها تيار العهد (الذي لم يتوانَ يوماً عن الهجوم على رئيس المجلس النيابي وصولاً إلى حد وصفه بـ “البلطجي”) ولم يكن بعض نواب الثورة براء منها، وهنا تكمن المشكلة الحقيقيّة.
صحيحٌ أن “نواب الثورة” دخلوا بطريقة سورياليّة إلى المجلس النيابي، ولكن الصحيح أيضاً أن ما يجمعهم لا يتخطى ذاك العنوان الكبير وهو “17 تشرين” وذاك الشعار القائم على التعميم الأعمى “كلن يعني كلن”. المطلوب اليوم من نواب التغيير أن يخلعوا ثوب الميدان ويلبسوا ثوب المؤسسات والعمل السياسي الجدّي بعيداً عن الإستعراض الإعلامي وهو ما يتطلب مراجعة جديّة منهم وقراءة جديدة ودقيقة لموازين القوى في المجلس النيابي المنتخب.
ما لم يخرج نواب الثورة من أسر الشعارات التي رُفعت أثناء الحملات الإنتخابيّة الحامية وينصرفوا إلى بناء تفاهماتٍ مع القوى السياديّة التي كانت موجودة في المجالس السابقة ولها صولات وجولات في مواجهة محور الممانعة؛ فإن حالة الإطباق على البرلمان ستصبح أكثر إحكاماً وستتخذ في مراحل لاحقة منعطفاتٍ أكثر خطورة وصعوبة.
ليس المطلوب من هؤلاء النواب التنكر لناخبيهم أو الإنقضاض على ما بنوا على أساسه قواعدهم الشعبيّة، بل المطلوب حقاً هو العبور نحو بناء موازين قوى جديدة تعكس نفسها في برنامج إنقاذي يخرج لبنان من الكبوة التي سقط فيها ويذهب نحو بناء المؤسسات وإقامة الدولة الفعليّة التي وحدها تحمي الجميع وتوفر المظلة للبنانيين بمختلف مشاربهم.
ما لم تدرك القوى “التغييريّة” الجديدة أن الصراع في البلاد قائم بين محور الممانعة والقوى المقابلة، وأن عليها أن تحدّد خياراتها السياسيّة ومواقفها من دون مواربة ومن دون عقد شعبويّة من شأنها أن تعطّل بناء التفاهمات الجديدة؛ فعبثاً سيحصل التغيير. لا بل سوف يتم “إصطياد” النواب الجدد بـ “المفرّق” في كل الاستحقاقات المقبلة، كما حصل في إستحقاق إنتخاب نائب رئيس المجلس النيابي.
إنتهى وقت الاستعراض السياسي والإعلامي، وحان وقت العمل!