أثبتت جلسة انتخاب رئيس المجلس ونائبه وهيئة مكتب المجلس أنّ من بنى حملته الانتخابيّة على شعارات من نوع “نحنا بدنا ونحنا فينا” و”معكم فينا” قد فشل على أرض الواقع، كما سبق وفشل عندما رُفِع شعار “أوعى خيَّك” وهو، على الأرجح مرشّح للفشل في إيصال رئيس حكومة متحرّر من سطوة الثّنائيّ الشّيعيّ ومن التّيّار البرتقاليّ.
من ناحيةٍ أخرى، ردّدت شخصيّات ومرجعيّات سُنّيّة عديدة مقولة “النّبيّ مات وتدبّرت أمّته” و”الطّائفة السّنيّة ولّادة”، في رسالةٍ واضحةٍ مفادها أنّ خروج سعد الحريريّ وتيّاره من الانتخابات لن يؤثّر في تمثيل الطّائفة السّنّيّة، وأنّ بُدَلاء سعد الحريريّ يُحسَبون بالعشرات. وقد بنت هذه الشّخصيّات والمرجعيّات خِطبها على حثّ المواطنين السُّنّة على المشاركة الكثيفة لحماية العاصمة وقرار أبنائها… في حين أظهرت أرض الواقع حقيقة وصول نوّاب سُنّة مبعثَرين تائهين، يصحّ وصفهم بـ “من كلّ وادي عصا”!.
هذا التّبعثر سينعكس سلباً على موقع رئاسة الحكومة، لأنّ مَن سيصل إلى الموقع السُّنّيّ الأوّل في الدّولة لن يكون له لا حولٌ ولا قوّة، وسيتجاذب حكومتَه وُزراء مدعومون من كُتَلٍ وازنة ومفروضون من الثّنائيّ الشّيعيّ، بالإضافة إلى حصّة رئيس الجمهوريّة من الوزراء، ولو كان ذلك خلافاً للدّستور.
وعليه، لا بدّ لكلّ مَن حصر معركته الانتخابيّة بتهشيم سعد الحريريّ، المُثْخَن أساساً بالجراح، لأسباب يُسْأَل عنها هو ومستشاروه، ولأسبابٍ أخرى يُسْأَل عنها الفشل العربيّ في اليمن والعراق وسوريا، أن يعترف بأنّ الحقد يهدم ولا يبني وأنّ بعد النّظر كان يقتضي السّعي الى إيصال قامات وكفاءات سُنّيّة ضمن كُتَلٍ متجانسة، وهذا ما لم تُفرزه إطلاقاً هذه الانتخابات.
لذلك، وتدارُكاً للأسوأ، أدعو سماحة مفتي الجمهوريّة الّذي انخرط في الانتخابات النّيابيّة تحت عنوان “المشاركة في الاقتراع” إلى أن يُكمل ويبادر، ولو لمرّة واحدة ووحيدة، إلى التّدخُّل الفاعل عبر تزكية اسمين أو ثلاثة أسماء لرئاسة الحكومة، يعرف ونعرف أنّها لن تساوم، ولن تدوّر الزّوايا، ولن تُعيد رئيس الحكومة إلى مصافّ “الباش كاتب”، بل ستكون حريصة كلّ الحرص على حماية لبنان الموحَّد، لبنان الاعتدال والانفتاح على الإخوة العرب وعلى العالم، شخصيّة تعمل ضمن إطار دستور البلاد وأحكامه، وتجمع حولها وُزراء أكفاء نظيفي الأكُفّ يتقيّدون بالتّضامن الوزاريّ ويعملون جاهدين لتخفيف معاناة اللّبنانيّين في ظلّ رئاسة جمهوريّة ورئاسة مجلس متمركزتين في مربّع حِلْف المُمانَعة!.
أمّا إذا لم تتوافر أكثريّة نيابيّة حول شخصيّة تتّسم بهذه المواصفات يزكّيها سماحته، فلا بدّ عندها من اتّخاذ موقفٍ حازم وصارم في وجه كلّ من سبق وتدرّج في صفوف حلف الممانعة، وكلّ وصوليّ انتهازيّ منبطح، أو مَن لا يمتلك من المؤهّلات المطلوبة سوى كونه سُنّيّ الولادة!.
فلا تكرار لتجربة حسّان دياب أو نجيب ميقاتي الّلذين لم يصلا إلى الموقع إلّا على حساب التّنازُل عن صلاحيّات رئيس الحكومة وكرامة أهل السُّنّة، وإلّا كان قرار مقاطعة الانتخابات هو الأسلَم، وكانت جهود سماحة مفتي الجمهوريّة وجولات سعادة سفير المملكة العربيّة السّعوديّة على بعض المرشّحين المَحْظِيّين مجرّد خطوات بتراء.
لقد أثبتت السّنون أنّ مقاطعة البطريرك صفير سنة 1992 لانتخابات الاحتلال السّوريّ، والّتي جرت بترحيب وتحت أعيُن دول العالم الحرّ والإخوة العرب رُعاة اتّفاق الطّائف، كانت خطوة صحيحة ومسؤولة، حبّذا لو وجدت قامة كالمفتي الشّهيد حسن خالد لترفدها، لكان فهم القاصي والدّاني أنّ للبنان رجالات تحميه وتقف سدّاً منيعاً في وجه أيّ صفقة تعقد على حساب الوطن وأهله!.
وللذاكرة فإنّ انتخابات 1992 سبقها اغتيال المفتي حسن خالد، والرّئيس رشيد كرامي والرّئيس رينيه معوّض وتعيين النّواب الجدد قبل إجبار نواب الطائف على أن يقصّروا ولاية مجلسهم بهدف إجراء انتخابات كانت نتيجتها تثبيت الاحتلال السّوريّ للبنان وتمكينه.
أخشى أن تُثبت الأيّام والأشهر القادمة أنّ خيار المقاطعة السُّنّيّة، لو اعتُمِد في انتخابات أيّار 2022، لكان شكّل موقفاً اعتراضياً في وجه الهيمنة الإيرانيّة وحُلَفائها وأزلامها، وفي وجه أيّ صفقة قادمة تُحاك للبنان وتباركها أكثريّة المجلس الجديد.
مقاطعة تشكّل قاسماً مشتركاً بين كلّ المطالِبين برفع الهيمنة الإيرانيّة مثل أحزاب “القوّات” و”الكتائب” و”التّقدّميّ الاشتراكيّ”.
مقاطعة ترفض الذهاب إلى صناديق الاقتراع لأنّها تؤمن 27 نائباً للثنائي الشيعي من أصل 27 مقعداً مخصّصاً للطائفة الشيعيّة.
مقاطعة ترفض أن يكون ما بعد انفجار 4 آب استكمالاً لما كان قبله!