“ملوحة” الطريق الجديدة.. وغربة “السيجار”

16 يونيو 2022
ساحة الملعب البلدي الطريق الجديدة (بيروت نيوز)
ساحة الملعب البلدي الطريق الجديدة (بيروت نيوز)
نسرين مرعب
نسرين مرعب

“ليش سكنتِ بالطريق الجديدة”.. “ما لقيتِ مطرح أحسن”، عبارات سمعتها يوم قررت الانتقال إلى بيروت وتحديداً إلى الطريق الجديدة، وسمعت غيرها مع العروض بالمساعدة في إيجاد مسكن ملائم.

ولكن اختيار هذه المنطقة لم يكن عبثاً بالنسبة لي، إذ سبق لي أن سكنت قبل سنوات مضت، في الحمرا وكركاس ومناطق عدّة، ولكن هذه المرّة أردت الطريق الجديدة حصراً.

حسناً، للمنطقة سيئاتها المتعددة، المياه مالحة ونادرة هي المياه الحلوة، وهذا يزعجني. ازدحام دائم، الأصوات مرتفعة وهذا مزعج أيضاً، صور السياسيين تحاصرني وأكره هذه الصور جداً.

ولكن لا يهم..
الوجوه هنا مألوفة، الأمكنة.. الطرقات، وحتى المحال.
الناس الذين أصادفهم هنا، أعرفهم، قد لا أكون التقيتهم سابقاً.. ولكن أشعر أنّ كل وجه هنا سبق لي أن حادثته، أن جلست معه، أو حتى تشاجرت معه..
فهذه الوجوه بسيطة، مبتسمة.. هادئة.

هنا، لا يوجد الكثير من ربطات العنق. وأنا أكره بالمناسبة ربطات العنق.

هنا لا يوجد تكلّف. “الناس للناس”، و”الجار للجار”.. وأنا أحتاج في وحدتي هذه إلى من يشعرني بالطمأنينة.

أردت الطريق الجديدة، لأنّها تشبهني، تشبه “طرابلستي”. أردت منطقة لا يهاجمني فيها شبح الغربة، ولا طيف الحنين.

أردت منطقة لا أكون فيها تلك اليتيمة. لا ترى انكساري ولا تعزّز وحدتي. منطقة أجد فيها الكثير من نفسي.

أردتها، لأنّها و”طرابلستي” ضحيتان للنمطية. فمن يرى طرابلس داعشية، يرى الطريق الجديدة عشوائية غير مؤهلة للسكن، يرى فيها القشور ولا الروح.

ومن يرى في طرابلس اللا أمان، يرى في الطريق الجديدة الخوف.

ومن يرى في الشمال “شبحاً” يرى في الطريق الجديدة أشباحًا!
ومن يرى في مدينتي “السلاح”، لا يرى في “الطريق الجديدة” سوى المخدرات و”الحشاشين”.

أردتها لأنّها “مكسر عصا” مثلها مثل الشمال، وعلى هامش اهتمامات الدولة وسياسييها، ومهدورة الحقوق. لأنّها تشبه مظلوميتي، مظلومية عكار التي أحمل اسمها على هويتي وطرابلس التي أحمل دماءها في عروقي.

لم أرد منطقة معلّبة، منطقة لا تعرف الفقر ولا الفقراء. لم أرد “الشوكة والسكين” ولا روائح السيجار الفاخر. أردت مجتمعاً عفوياً غير متكلّف، مارّة يبتسمون لي بمودة.

أردت بسطاء، أتشارك وإياهم الهواجس، والهموم والخوف.

المصدر بيروت نيوز