كثرت الأحاديث والأقاويل عن إحتمالية إندلاع حرب جديدة ومدمرة بين لبنان وإسرائيل، خاصة بعد إعادة فتح ملف ترسيم الحدود البحرية والخلافات حوله، في ضوء انتظار الرد الاسرائيلي على الموقف اللبناني الذي حمله الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين.
هذه التحليلات التي يتداولها المواطنون تخلق حالة ذعر كبيرة لدى الكثيرين منهم خاصة الذين عايشوا حرب العام 2006 وخسروا الكثير من ذويهم وأقاربهم اضافة الى خسائرهم المادية التي لم يتمكنوا من إستعادة جزء بسيط منها.
وبالتالي لا أحد يمكنه تأكيد حدوث الحرب أم لا، ولكن إنطلاقاً من الاحتمال الضئيل لحدوثها هل لبنان مستعد لها؟ وهل الدولة مهيأة لها؟ وهل هناك ملاجئ كافية من أجل حماية المدنيين وقدرة على تأمين المساعدات الاجتماعية والمعيشية الضرورية لهم؟
في حديث لموقع “لبنان الكبير”، أكد العميد الركن ورئيس “مركز الشرق الأوسط للدراسات” الدكتور هشام جابر أن “إحتمالية إندلاع حرب بين لبنان وإسرائيل ضئيلة جداً، لأن لا أحد قادر على تحمل تداعياتها ونتائجها، وأي حرب ستحصل ستكون كارثية على الطرفين.
ومن البديهي أن الدولة غير مستعدة للحرب وكأنها في عالم آخر، وفي حال حدوثها ستكون ككرة الثلج شاملة وستتوسع لتشمل الجبهة السورية مع الجولان. وفي المقابل، البلديات والهيئات الاجتماعية من الممكن أن تكون مهيأة من حيث الملاجئ ولكن في الوقت نفسه أعتقد أن عددها لن يكون كافياً”.
ولفت جابر الى أن “الجيش اللبناني مستعد بإمكاناته الضئيلة للمواجهة والدفاع عن بلده، ويفترض برئيس الدولة إتخاذ قرار في أسرع وقت ممكن وأن يدعو مجلس الدفاع الأعلى الى درس الامكانية في حال حدوث الحرب لأن الوزارات الأساسية في الدولة، وزير الخارجية، وزير الدفاع ووزير الصحة كلهم ممثلون فيه، ويمكن أن ينضم اليهم وزراء آخرون بهدف وضع خطة من مجلس الدفاع الأعلى مختصة بكل وزير كي يتهيأ في حال حصول حرب وكي لا يفاجأ أحد في حال وقوعها”.
ورأى أن “حزب الله حاضر للحرب على مختلف الصعد لكنه لن يشنها ولا مصلحة له في البدء بالطلقة الأولى لأنها بيت القصيد بحيث من يبدأ بها يصبح مسؤولاً أمام المجتمع الدولي والداخلي كما أن غالبية الشعب ستكون ضده، وقد أعلن في وقت سابق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أنهم وراء الدولة والجيش اللبناني”، معرباً عن اعتقاده أنه “في حال الاعتداء على الجانب اللبناني فسيكون الرد الأول من الجيش اللبناني وبعدها سيتصرف حزب الله خلال ساعات من العدوان الإسرائيلي، وحينها سيكون في نظر العالم والشعب اللبناني من دافع عن لبنان”.
أما النائب السابق والخبير العسكري العميد وهبي قاطيشا فجزم بأنه “لن تحصل حرب”، مؤكداً أن “الدولة غير مستعدة ولم تحضر أي تجهيزات لازمة للحرب (وما بحياتها كانت جاهزة)، وفي المقابل نحن في المجهول في حال إندلعت الحرب أم لم تندلع، وأنا واثق جداً من كلامي هذا، فمن سيحارب ولماذا؟ العدو الاسرائيلي يأخذ النفط وغير مكترث لنا، وفي لبنان يدّعون المحاربة ولكن ما بيسترجوا، لذلك إحتمالية وقوع الحرب بين لبنان وإسرائيل بعيدة جداً”.
ورداً على سؤال عن جهوزية “حزب الله” في حال إندلاع الحرب، اعتبر قاطيشا أن “الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يهدد (عالفاضي)، وموازين القوى في حال نفخ العدو عليها تطير، وأكبر دليل أنه عندما قام نصرالله بالحرب في العام 2006 لم يكن يدرك بحيث أنه كان باعتقاده يخطف عسكرياً وقال يومها: لو كنت أعلم لما قمت بها. واليوم بات يعلم جيداً ويدرك نتائج الموضوع وتداعياته ولهذا السبب لم يعد قادراً على القيام بها. وبالتالي لماذا نريد المحاربة؟ العدو متواجد في أرضه ونحن متواجدون في أراضينا وكل هذه التهديدات للساحة الداخلية، وعلتنا أننا لا نملك دولة موّحدة وكل طرف يغني على ليلاه وهذا ما يجعلنا نبقى في موقف الضعيف”.
“الجيش موجود بقوته والمقاومة موجودة وهناك بيئة حاضنة لها، ولكن هل يستطيع لبنان تحمل الحرب؟”، سأل المحامي والمحلل السياسي جوزيف أبو فاضل، وأجاب: “بطبيعة الحال، لبنان لا يستطيع تحمل أي نوع من أنواع الحروب لأنه من لبنان الى فلسطين الى سوريا والعراق وايران لا أحد يملك مئة دولار، وفي حال تحطم زجاج منزله فسيكون المواطن عاجزاً عن إصلاحه، وفي المقابل ليست هناك جهة قادرة على إصلاح وإعادة إعمار الجسور والبنى التحتية في حال إندلاع الحرب”.
وقال: “الاسرائيلي لن يضرب الكهرباء، لأن جبران باسيل قضى عليها كلها. ومع تقديرنا لفخامة الرئيس ميشال عون لكنه أضاع فرصة كبيرة على البلد نتيجة حكمه بعقل جبران باسيل. لذلك يجب أن نرى اذا كان باسيل وافق وسمح بدعوة المجلس الأعلى للدفاع وماذا عن بنوده هل ستكون إحتياطية بالكامل؟ وفي حال دعا فخامة الرئيس المجلس ماذا سيقول لهم؟ أنا فشلت في إدارة الأزمة مع إسرائيل في ما يتعلق بالمفاوضات؟ من المؤكد أنه لن يقولها، أو مثلاً سيقول لهم أخذت حقل قانا مقابل حقل كاريش المليء بالغاز؟”.
تظهر الصورة أن لا مصلحة للبنان بالحرب، وكل ما يحكى عن أنها السبيل لخلاص البلد من أزماته المتتالية ليس بالوصف الدقيق، لأنه سيغرق في أوضاعه السيئة أكثر فأكثر وكل هذا نتيجة عجز الدولة عن تأمين متطلبات حماية المواطن في الحرب والسلم، ونتيجة سوء الادارة وغياب الخطط البديلة والطارئة، وبالتالي يبقى مصير المواطن مجهولاً حتى إشعار آخر.