يدرك اللبنانيون جيداً أن إستدعاء الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الى بيروت على عجل، هو نوع من غسل اليد من الجريمة التي يرتكبها الحكم في التفريط بحقوق لبنان البحرية، وأن ما حصل خلال الأيام القليلة الماضية مجرد تمثيلية فاشلة، لا تقدم ولا تؤخر في محو عار السلطة التي تبيع الوطن على القطعة من أجل عيون الصهر والسير به وفق أجندة “حزب الله”.
البسمة التي ارتسمت على وجه هوكشتاين كفيلة بكشف اللعبة، فلبنان لم يجلس الى طاولة المفاوضات وهو ممسك بملف الترسيم بصورة صحيحة، والهدف كان إنقاذ جبران باسيل من العقوبات تمهيداً لوراثته عرش بعبدا، ومن هنا ظهر الارباك في قبول التفاوض على الخط 23 في حين أن حق لبنان يصل الى الخط 29. وعندما كان لا بد من إستدراك ذلك، جاءت الأمور متأخرة الى حد السخرية، من عنتريات باسيل بطرح “كاريش” مقابل “قانا”، وهو يعني التسليم بحدود الخط 23.
فالتعديلات التي وضعتها حكومة حسان دياب وفقاً لخرائط الجيش اللبناني من أجل اعتماد الخط 29 في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، وأرسلت الى رئيس الجمهورية وضعت في الأدراج، والأسباب معروفة وكل أركان السلطة كانوا موافقين ضمناً على الخط 23 المتعرج.
وبذلك أكل اللبنانيون الضرب، بينما عملت إسرائيل بجد من أجل سحب الغاز، ولا يمكن تحريك باخرة الحفر في المياه الاقليمية من دون موافقة الأمم المتحدة. ويمكن القول إن ما ظهر من ردود فعل السلطة هو تخل عن الحقوق الوطنية، سواء عنتريات باسيل “نفط كاريش مقابل نفط قانا”، أو اعلان “حزب الله” أنه وراء ما تقوله الدولة وكأنه لا يرهن لبنان في سوق المفاوضات النووية الايرانية.
وكان العميد بسام ياسين محقاً عندما كشف أن السلطة اللبنانية ليس همها الحفاظ على ثروات لبنان والافادة منها لأن الغرب هددها بعقوبات كثيرة وهي رضخت، ونفط لبنان ستسطو عليه إسرائيل بموافقة السلطة التي لم تحفظ حتى ماء وجهها وسكتت عن المطالبة بالخط 29 وهو علامة الرضا.
لقد حاول نواب التغيير الدفع بإتجاه تبني السلطة التفاوض على الخط 29 وإخراج المرسوم المعد بذلك من أدراج القصر الرئاسي، فهم أبدوا امتعاضهم من تقاعس الدولة وعدم تحملها مسؤوليات الحدود، ودعوا الى تظاهرة إعتراضية في منطقة الناقورة على الحدود، أي على الخط الفاصل للتعبير أمام الاعلام والعالم عن أنهم يرفضون العملية التي تقوم بها هذه الطبقة الفاسدة، بحسب تعبير مصادر النواب التغييريين.
ولدى سؤالنا لهم على من يمكن أن تؤثر هذه التحركات؟ كانت الإجابة: “لا بد من القول بأن هذه المجموعة هي مجموعة صغيرة، وقد تكاتف الكل في وجهها، إذ يعتبرها الجميع ثمار ثورة 17 تشرين التي انطلقت من الشارع وكان شعارها (كلن يعني كلن)، لذلك يحاولون اليوم الالتفاف عليها وتطويقها وعدم التجاوب معها، في كل ما تطرحه، لكن خطوات هذه المجموعة لم تقتصر على التظاهر وحسب، بل تخطت ذلك الى المطالبة بالترسيم وفقاً للخط 29 ودعت في الإعلام الى ذلك، وتحريك الاعلام في هذا الإتجاه، وتبيان أهمية حفظ حقنا في الأمم المتحدة، وإن لم نكن قادرين اليوم على مواجهة الولايات المتحدة، فيجب عدم الرضوخ لطموحات الصهر ولمافيات النفط، حتى أن اعلاميي الممانعة لم يخجلوا من تبيان الصفقة بأننا اذا حاولنا المطالبة بالخط 29 ينتظرنا المزيد من العقوبات الأميركية. ولكي يحموا أنفسهم وليس الشعب اللبناني يسكتون ويتمرجلون، لكن هؤلاء لا يدركون أن العقوبات التي ستقع على لبنان قد تكون أرحم بكثير من حالة الانهيار التي نعيشها بسبب فساد الطبقة السياسية التي أخذت لبنان إلى أبشع مكان في العالم إذ أصبح 80% من شعبه يعانون الجوع، ولا يجدون حتى لقمة الخبز”.
وتضيف مصادر “التغييريين”: “في ظل هذه الصورة تحركت الكتلة ضمن خطوط معينة، فكان اللقاء مع رئيس الجمهورية، وهذه خطوة شجاعة ومميزة، وطالبته بتعديل خط التفاوض والتمسك بالخط 29 لحفظ الحق اللبناني، لكن اجابة رئيس الجمهورية كانت بأننا نتعرض لضغوط كثيرة، والواضح أن المشكلة الأساسية هي أن الرئاسة والحكومة والوزارة المعنية لم تخرج الى العلن وتصارح الشعب اللبناني إن كان لناحية ماهية الضغوط، أو لناحية عملية التفاوض أو كيفية المواجهة وحماية الثروة الطبيعية التي قد يستفيد منها لبنان”.
وتشير الى أن “الوسيط الأميركي خلال لقاءاته في لبنان سجل بعض النقاط الاعتراضية الشفهية التي قد يأخذها في الاعتبار وسوف يرد على بعضها بما يساعد لبنان، كما أنه سيمرر الغاز والكهرباء من مصر من دون أن يعني إلغاء عقوبات قيصر، لكن هذا سيساعد النظام السوري على تقاضي الأموال، ومن هنا تطنيش حزب الله وإيران فهذا الأمر يرضي الجميع وهذه المقايضة لن يعترض عليها أحد”.
وبحسب المصادر فان “الكتلة التغييرية عبّرت عن مواقفها وهواجسها خلال اللقاء مع هوكشتاين، وهي تدرك أنه ليس وسيطاً نزيهاً أو محايداً، أن تأثيرها نسبي ومهمتها فضح ما تقوم به السلطة في الكواليس وليست لديها سلطة القيام بإجراءات عملية، وهي تعمل على مصارحة اللبنانيين وتوجه الأنظار نحو الأخطاء رافضة اهداء ثروات لبنان الى إسرائيل وفاضحة المتورطين في عمليات الفساد الكبرى. وهي تدرك أن الولايات المتحدة تعلم جيداً كيف تساوم السلطة اللبنانية، وهوكشتاين كان واضحاً في معادلة ابتزاز السلطة: لن تقارعوني وتصارعوني بمواقف وطنية وأنتم من النصابين والحرامية”.
وشددت على أنه “لا بد من اجراء تحالف واسع في البرلمان مع نواب يلتقون على هدف حفظ حقوق لبنان في هذا المجال حتى تتوسع الكتلة المعارضة وتحقق أهدافاً في مرمى سلطة الفساد”.