بدأت عملية شد الحبال في التكليف والتأليف، بين مطالب ومطالب مضادة. وعلى عتبة خمسة أيام من موعد الاستشارات النيابية الملزمة، تشتد المعركة السياسية بين الرئيس المكلف المفترض نجيب ميقاتي ورئيس تيار العهد جبران باسيل، وكل يتوقف عند شروطه.
فماذا يريد كل فريق من عملية تأليف الحكومة؟
لا أحد يشكك في رغبة الرئيس ميقاتي بأن يضيف الى حياته السياسية ولاية رئاسية جديدة، وهو إن لم يكن رئيساً أصيلاً في حكومة مكتملة الأوصاف، فسيبقى رئيس حكومة تصريف الأعمال ما بعد انتهاء العهد لتعذر التأليف، وهو متيقن من ذلك ومرتاح الى وضعه، لذلك يعمل على أساس أنه يملي الشروط ولا يتلقفها.
وتقول مصادر قريبة من السرايا إن شرط الرئيس ميقاتي الوحيد أن يتم تمرير الخطة المالية كما أقرتها حكومته، وهو متيقن ممن سيشارك في حكومته وممن سيرفض المشاركة، لذلك فهو لن يخضع لابتزاز الكتل النيابية بدءاً من “التيار الوطني الحر”، مروراً بـ “القوات اللبنانية” وصولاً الى التغييريين.
فـ “القوات” والتغييريون لن يشاركوا في الحكومة، لذلك تبقى المعضلة الأساسية وفق ميقاتي متمثلة في موقف “التيار الوطني الحر”. فما هي شروط هذا التيار ليشارك في هذه الحكومة؟ وماذا يستطيع أن يقبل منها ميقاتي؟
وهل يستطيع الرئيس ميقاتي أن يقبل بإجراء التعيينات في آخر عهد الرئيس ميشال عون نزولاً عند مطلب باسيل؟ وعندما يطلب باسيل التعيينات فهو يقصد كل المواقع المسيحية لكي تكون له اليد الطولى فيها ما بعد تحرير قصر بعبدا من سلطتهم على المراسيم. وهذا المطلب هو الأساس لدى باسيل الذي يبدأ من موقع حاكم مصرف لبنان، مروراً بقائد الجيش، وصولاً الى كل المواقع المسيحية بمختلف مندرجاتها. فماذا سيقول ميقاتي لمن يدّعي الحرص أمامهم على الطائفة السنية في حال رضخ لابتزاز باسيل ومضى في التعيينات؟
أليس ما صرح به باسيل مؤخراً مهين للطائفة السنية والمكونات اللبنانية جميعها، عندما قال إن ميقاتي اتصل به طالباً شتمه لكي يراكم له شعبية سنية؟ هذا الكلام سيف ذو حدين، فمن جهة أولى يعترف باسيل في كلامه بأنه مكروه من الطائفة السنية، ومن جهة ثانية فإن ميقاتي يلعب على عواطف الطائفة السنية من خلال دفع باسيل الى شتمه… هذه الأساليب لم تكن هي المعتمدة أيام الرئيس سعد الحريري، فهو الخصم الشريف الذي يحاور ويناور ويربط النزاع، ولكن من دون أن يبيع ويشتري في طائفته السنية وسائر الطوائف، وهذا كلام يعترف به خصوم الحريري قبل حلفائه.
ولنسلم جدلاً بأن باسيل سيكون صادقاً لمرة واحدة بأنه لا يريد أن يكون وزيراً في الحكومة، ولكن المؤكد أن لديه مطالب تبدأ من التعيينات، لتستقر على واقع تقوية أوراقه السياسية حتى تكون كلمته نافذة ما بعد رحيل الرئيس عون، وفي حال لم يتم انتخابه شخصياً رئيساً للجمهورية.
فإن آخر همّ باسيل هو إقرار القوانين الداعمة لفقراء لبنان والخطة الاقتصادية والمساعدات الانسانية، الا أن همه منحصر في بازاره الرئاسي. فإذا عجز عن فرض نفسه رئيساً، فهو يريد أن يفرض شروطه لاختيار رئيس الجمهورية، وليضمن لنفسه حق الفيتو. وهذا هو ما يسعى اليه في عملية الابتزاز التي يمارسها بحق الرئيس ميقاتي، والرئيس نبيه بري و”حزب الله”.
غير أن جواب الرئيس ميقاتي وترشحه جاء من طرابلس، حيث أعلن استعداده للخدمة العامة بقناعات وطنية وشخصية واضحة، رافضاً تحويل موقع رئاسة الحكومة وشخص رئيسها الى مادة للتسويات.
وقال ميقاتي لباسيل إنه لن يتردد في رفض “أي محاولة لادخالنا في تسويات لا مصلحة للوطن فيها أو في مساومات سياسية مخالفة لقناعاتنا”.
هي مواقف بمثابة مسكنات لا علاجات، والعبرة ما بعد التكليف بأن تبقى المساومات مرفوضة والرئاسة الثالثة مصونة.