لأول مرة في تاريخ تشكيل الحكومات في لبنان، جاء تكليف الرئيس نجيب ميقاتي ضعيفاً، بأقل من نصف عدد نواب المجلس، حتى في ظل هيمنة النظام السوري على لبنان لم يحصل مثل هذا الأمر، ولم يكلف الرئيس السني برئاسة الحكومة بـــ54 صوتاً فقط، وهو ما يؤشر الى الاجحاف الحاصل بحق هذا الموقع، وهذا الأمر يرده البعض الى عدم ترشيح أي سني نفسه، والى أسلوب تعاطي رئيس الجمهورية ميشال عون التصادمي مع رؤساء الحكومات في عهده، وطبعاً بسبب تلبية مطالب ورغبات صهره الطامح الى خلافته في قصر بعبدا، وبالتالي فإن أحداً لم يرد أن يكون كبش محرقة في نهايات العهد القوي، وهذا أيضاً ما يفسر تحفظ قوى سياسية عن تسمية بدائل مناسبة لعلمها أن التكليف وإن حصل فالتأليف سيكون في علم الغيب.
وتذكر مصادر متابعة بما كان يحصل في السابق في تشكيل الحكومات في عهد عون، “إذ كانت حكومات عرجاء، غير شعبية وتعاني من عدم القدرة على إتخاذ القرارات التي كان يفرملها القصر إذا لم تكن مفصلة على قياس جبران باسيل، وجل ما كان يهم (بي الكل) تأمين مصالح هذا الأخير، لذلك كان المخرج بالنسبة الى البعض تسمية ميقاتي وهو أمر طبيعي كونه مرشح الثنائي الذي قد يكون باستطاعته التأليف مدعوماً من الرئيس نبيه بري ورؤساء الحكومة السابقين ربما وهناك رضى دولي وعربي عليه، وإن لم يشكل فتصريف الأعمال ساري المفعول ومقبول”.
وتؤكد المصادر أن “الرئيس عون على الرغم من مماطلته كان مجبراً على إجراء الاستشارات الالزامية فهو يريد تقطيع الوقت، والتكليف ممر أساس وإجباري وإن لم يحصل سيحشر رئاسة الجمهورية في الزاوية، لذلك اضطر الى تقطيع الاستشارات بعد محاولات متكررة من التيار الوطني الحر لابتزاز ميقاتي قبيل الاستشارات وضخ الرسائل والشروط، حتى قيل إن الحكومة الجديدة سيشكلها جبران. ويحكى أن هذه الحكومة التي قد تؤلف من 24 وزيراً ويقدمها ميقاتي الى الرئيس عون ستقلص دور التيار فيها والتغيير سيكون في ست وزارات من وزراء التيار، بعد أن كان جبران يرغب في العودة الى وزارة الخارجية لفك الحصار الدولي المفروض عليه بالعقوبات، والسيناريو الواضح أن ميقاتي سيقدم تشكيلته وعون سيرفضها وإن تم قبولها فهي ستسقط تلقائياً في المجلس النيابي وتتحول الى حكومة تصريف أعمال تتلاءم مع البرلمان الحالي ووجوه التيارات الحالية”.
ويشير المتابعون الى أن “التغييريين لن يشاركوا في هذه الحكومة إذا التزموا بما قالوه عن فصل الحكومة عن النيابة، وهناك عشرة نواب من أصل 13 منحوا أصواتهم لنواف سلام، وثلاثة لم يصوّتوا له مما يؤشر الى أن الكتلة التغييرية غير محصّنة بأي طائفة. وبالتالي اذا دخلت الاطارات الطائفية ومالت تعلم جيداً بأنها ستكون محاصرة ومنبوذة”.
وفي رأيهم أن “ميقاتي يعلم جيداً أنه سيعمل على تعويم الحكومة الحالية وسيكون له فريق عمل سني قريب منه وبالتالي من سيخضع لعملية التغيير فعلياً هو أمين سلام الذي عرض أن يشكل الحكومة وكان نقطة تواصل أو توافق ما بين باسيل وميقاتي على توزيره سابقاً، ولكن ميقاتي اليوم يرى أن من حق الرئيس أن تكون الشخصيات السنية مقربة منه وليس من جبران أو من غيره وسيستبدل سلام بشخصية يستطيع أن يطل بها على الشمال وطرابلس تحديداً”.
ويبدو أنه سيكون على الرئيس ميقاتي تقديم تشكيلته قبل الاجتماع مع صندوق النقد الدولي، مع علمه المسبق بأن تدوير الزوايا لم يعد ممكناً وأن عون سيستمر في تعطيل كل الحياة في البلد سياسياً واقتصادياً وأمنياً وسيلجأ بطرق قانونية أو مخالفة للدستور الى وضع العصي في الدواليب كما درج على فعله سابقاً.
من هنا تحذر المصادر من “غشيان قد يصيب نواب التغيير الذين عليهم أن يحسبوا كل خطواتهم وتصرفاتهم حتى يبقوا على ثقة الرأي العام بهم والانتباه لأي موقف والتعامل بذكاء كونهم نواب قضية والاعلان عن المواقف بدراية في قضايا الرأي العام وليس على أحد القفز بخطوات غير مدروسة لأنها ستحسب عليه، فهناك خارطة جيوسياسية جديدة يجب أن ينتبه النواب التغييريون اليها والى موقعهم ودورهم وتصرفاتهم لأن المعركة ليست معركة نواب تغييريين تم تسليمهم قيادة الثورة. فالثورة لا تزال مجموعاتها على الأرض وقد جرى تحديد الأوزان والاحجام وبالتالي فان على النواب التغييريين معرفة أن تكتلات المذاهب واغراءات السلطة لن تنفعهم وإنما بقاء الانتماء الى القوة الميدانية التي ساهمت في ايصالهم ستكون الحصن الحصين والمدافع الأول عن وجودهم”.
ويخلص هؤلاء الى الاستنتاج بأن الوضع في لبنان اليوم هو “أن القديم يحتضر بينما الجديد لم يولد بعد، فهناك فترة التباس والسير من العتمة إلى النور أساسه المواطن أو الرأي العام الذي يشكل موقفه ويقول كلمته، فالجميع ينتظر التغيير”.