يوم الإثنين في 31 تشرين الأول 2022 سيكون اللبنانيون على موعد مع استحقاق دستوري كبير، بعضهم سيحتفل برحيل ميشال عون عن قصر بعبدا على اعتبار أنه المسؤول عن الإنهيار الذي أصاب البلاد والعباد، في مقابل مَنْ سيحزن لرحيل الجنرال الذي واجه أعتى المؤامرات التي عصفت بعهده فتكسَّر وانكسر ولي العهد، فبأي حال سيعود جبران باسيل صباح الثلاثاء في 1 تشرين الثاني 2022؟
عشية انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الأول 2016، تربع جبران باسيل على عرش “التيار الوطني الحر” وتكتل “التغيير والإصلاح” النيابي حتى قبل أن يصبح نائباً، وعند جلوسه على مقعد وزارة الخارجية والمغتربين تفاخرت قناة Otv بسلطات ولي العهد الثلاثية الأبعاد إثر تقلده التيار والتكتل والخارجية.
تباعاً بدأ جبران باسيل التوسع في السلطة وتحويل رئاسة الجمهورية إلى مملكة عونية ليعلنها لاحقاً باسيلية، هيمن على معظم التعيينات الإدارية والقضائية والسياسية والعسكرية بعد نسفه اتفاق معراب الذي أجلس ميشال عون على كرسي بعبدا، وفيما بعد بدأ بقصقصة أجنحة قدامى “التيار الوطني الحر” ورفاق السلاح العوني الذين صمدوا مدة 15 عاماً إبان نفي الجنرال إلى فرنسا.
أتى جبران باسيل بكل مَنْ يواليه إلى مراكز “التيار الوطني الحر” ليضمن البيعة الدائمة لشخصه. أغدق على فريقه بالمناصب العامة في دوائر الدولة كافة ليرسخ مشروعه التوطيدي في السلطة. أبعد كل مَنْ قد كان يشكل خطراً على وراثته الحالة العونية السياسية من حول الجنرال بدءاً بالإبنة الكبرى ميراي الهاشم والعديل الثاني شامل روكز.
لم يكتفِ ولي العهد بإحراق تفاهم معراب ومندرجاته الذي نصَّ على اقتسام وتحاصص التعيينات المسيحية كافة ولم يتعاون مع شريكيه السني والشيعي في التسوية الرئاسية، بل حاول وضع يده على التعيينات العائدة الى المسلمين تحت شعار التوسع الوطني والمشاركة اللبنانية مطلِقاً بذلك مشروعاً سياسياً من نوع آخر، ففي أحد خطاباته وبعد أن طوَّب نفسه الماروني الأول وترؤسه تكتل “لبنان القوي” الذي ضم بدايةً 29 نائباً، أعلن عن طموحاته في أن يكون السني الثاني بعد سعد الحريري لدى الطائفة السنية، الشيعي الثالث بعد حسن نصر الله ونبيه بري لدى الطائفة الشيعية والدرزي الثالث بعد وليد جنبلاط وطلال ارسلان لدى الطائفة الدرزية، فدُكت هناك أولى المسامير في نعش التمدد اللبناني الذي أراده إلغائياً متلطياً بالعبور طائفياً ومناطقياً، فدفنت حادثة قبر شمون الكثير من الطموحات وكشفت العديد من النيات إلى أن دخل مجلس الوزراء في سبات عميق وأداً لفتنة كان اللبنانيون على اختلاف انتماءاتهم بغنىً عنها.
إنَّ الذكرى الثالثة لانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية أُريد لها أن تكون الحدث التاريخي الأعظم في مسيرة جبران باسيل السياسية، فقد أُعدت العدة لتنحي ميشال عون عن رئاسة الجمهورية بحجة التقدم في السن ليُصار إلى تولي ولي عهده سدة الرئاسة ضمن صفقة سياسية تفضي إلى انتخابه رئيساً للجمهورية وهو كان قد نال البركة السورية لذلك، صفقةٌ سياسية إنما تأخر تنفيذها إثر تعنت الرئيس نبيه بري. وكان جبران باسيل قد فاضت في جوارحه عظمة السلطة فتحدث في خطاب 13 تشرين الأول 2019 أي قبل تاريخ إتمام الصفقة الرئاسية؛ عن قلب الطاولة والمياه الجارفة التي ستجرف الجميع.
أيامٌ أربعة مضت فكانت ثورة 17 تشرين التي قلبت الطاولة باتجاه معاكس، جرفت أحلامه الرئاسية وقلصت طموحاته السلطوية إلى حدود تسمية وزراء يمثلونه في حكومات أريد لها أن تكون خالية من الوجوه السياسية الفاقعة.
سقطت التسوية الرئاسية بين “التيار الوطني الحر” وتيار “المستقبل”، انتقل سعد الحريري إلى صفوف معارضة العهد مسقطاً حكومته في ميدان ثورة 17 تشرين.
اكتملت المشهدية الباسيلية بفرض العقوبات الأميركية عليه وفق قانون ماغنتسكي لمكافحة الفساد، فلم يعد بيديه حيلة سوى التصويب على تفاهم مار مخايل محملاً تغطيته سلاح “حزب الله” مسؤولية العقوبات الأميركية في حقه.
كثيرٌ من الحلفاء انفضوا من حوله كان أبرزهم: إيلي الفرزلي، ميشال معوض، إلياس بو صعب وغيرهم، بات شبه وحيد مع رجاله يصارع البقاء السياسي ممسكاً بتوقيع رئيس الجمهورية، مستخدماً إياه في تعطيل الاستحقاقات الحكومية الإنقاذية كافة بعد أن افتتح مكتباً لنفسه في قصر بعبدا يدير عملياته تحت نظر عمه المتعب ومستشاره الفطن سليم جريصاتي.
وعلى وقع المظلومية التي أداها أمام “حزب الله” نتيجة التصاقه به، قام السيد حسن نصر الله بإنقاذه انتخابياً فعقد لأجله مصالحات عدة أبرزها مع حركة “أمل” وتيار “المردة” ومنحه مقاعد المسيحيين والأقليات كافة على حساب باقي الحلفاء في المناطق التي يرجح فيها الصوت الشيعي لصالحه.
عاد جبران باسيل على رأس كتلة نيابية في انتخابات العام 2022 تتألف من 18 نائباً تارةً و16 نائباً تارةً أخرى إثر خروج النائبين ابراهيم كنعان والياس بو صعب واستقلالية محمد يحيى عدا عن التحالف المرحلي مع حزب “الطاشناق”.
إذاً صبيحة الأول من تشرين الثاني 2022 وبعد أن يصبح ميشال عون رئيساً سابقاً، سينتقل جبران باسيل من منطقة الهجوم إلى الدفاع عن مكتسباته السياسية والسلطوية إثر فقدانه الكثير من رصيده الشعبي والتحالفي، محاولاً الحفاظ على تكتله النيابي الذي سيزداد تصدعاً وتوزعاً بين قدامى “التيار الوطني الحر” وكتلٍ جديدة ستولد من رحم الجبروت الذي مورس بحقهم، ربما أقصى ما سيحققه هو عقد تفاهمات مع حزب أو تيار ما يشارك أو يبارك وصول رئيسه إلى قصر بعبدا جالساً إلى يمينه مناصراً حائزاً على بعض من مكتسبات باقية، أو قد يجلس إلى يسار عهد رئاسي جديد لن يحصد منه سوى ما زرعه أيام إمساكه بتوقيع الرئيس القوي من غطرسة وكبرياء سياسي.
إن البلدان التعددية لا يمكن أن تحكمها أوليغارشية دينية، سياسية، عسكرية وغير ذلك، جبران باسيل الذي أحرق مراحل عهد ميشال عون بغية الوصول إلى السلطة بين ليلة وضحاها وبناء الامبراطورية الباسيلية، والذي لم يبقِ لنفسه حليفاً سياسياً أو شريكاً وطنياً، هل سيتحمل العودة إلى ما كان عليه قبل 31 تشرين الأول 2016؟