هي ليست المرة الأولى التي يهدد فيها الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله إسرائيل، فهذه الأسطوانة تتكرر في كل مناسبة ويستغلها الحزب من أجل تبرئة نفسه وشد عصب جمهوره (محور الممانعة). فبنظره هذه هي “المقاومة الاسلامية” الحقيقية والشرسة التي تدافع عن كل شبر يخصها في لبنان ضد العدو الاسرائيلي، لكن في الواقع المسيّرات الثلاث “غير المسلحة” التي أطلقها “حزب الله” يوم السبت الماضي باتجاه حقل “كاريش” تحت عنوان أنها أنجزت المهمة المطلوبة وأوصلت الرسالة الى الجهات المعنية، أثارت جدلاً كبيراً كونها غير مسلحة واعتبرها الكثيرون مجرد “عرض عضلات” لا أكثر ولا أقل خصوصاً وأن لبنان أصبح شبه متنازل عن الخط 29 في ملف ترسيم الحدود البحرية.
ومن جهة أخرى، لا يمكن إغفال أن أجواء إيجابية أحاطت بالمفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل في الآونة الأخيرة بحسب ما أعلن الأميركيون، وهذه الخطوة التي قام بها “حزب الله” ربما ستعيدها الى الوراء وتساهم في زيادة التعقيدات، خصوصاً بعد الاتصال الذي أجراه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين بنائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، وطلب فيه توضيحاً لما جرى، معتبراً أن تلك المسيرات من شأنها وقف جهود التفاوض.
ما حصل يطرح جملة تساؤلات: هل بات مصير لبنان مرتبطاً بالرسائل والمسيّرات الجوية التابعة لـ “حزب الله”؟ وهل هذه الرسائل ستؤثر سلباً على أجواء المحادثات الأخيرة؟ أم باتت الحرب الاسرائيلية باتجاه لبنان شبه مؤكدة؟ وما هو رأي المعارضة الشيعية؟
في حديث لموقع “لبنان الكبير”، رأى المحلل السياسي علي الأمين أن “البيان الصادر عن حزب الله والكلام الذي يحكى عن أنه لا يمكن لاسرائيل البدء بحقل كاريش قبل أن يتمكن لبنان من إستخراج غازه كله، هو من أجل التغطية على التنازل عن الخط 29. والدولة اللبنانية بإدارة حزب الله قدمت تنازلاً عن حقل كاريش وهذه الحقيقة لا يمكن إخفاؤها وما يجري اليوم له أبعاد عدة، وأحدها خلق محاولة إنتصار فارغ بالقول انهم يريدون إستخراج الغاز. وبالتالي مبدأ إستخراج النفط موجود وغير ممنوع وشبه محسوم لكنهم يحاولون التغطية عن التنازل غير المفهوم كي يقولوا في المستقبل انهم ضغطوا على إسرائيل من أجل إستخراج النفط”.
وأشار الأمين الى أن “حقل قانا مطروح للتفاوض وقابلية تنازل الجانب الإسرائيلي عنه غير بعيدة، وبالتالي هناك بعد له علاقة بأن حزب الله يحاول القول انه موجود في هذه المعادلة ويحاول التعويض لجمهور الممانعة الذي في داخله جزء كبير متفاجئ بالتنازل الذي حدث عن الخط 29، وهناك بعد إستعراضي قوي من خلال طريقة البروباغندا الاعلامية التي يستخدمها دائماً حزب الله”.
أضاف: “البعد الثالث قد يكون أن هناك صفقة إيرانية أميركية حصلت وأن التنازل لم يتم لو لم يكن هناك نوع من هذه الصفقة. وهذا الملف إيراني وأحد أسباب المسيّرات الأخيرة من أجل التعبير عن الإستياء الإيراني وخصوصاً بعد فشل المفاوضات النووية مع أميركا، وهذا الفشل يعكس الانزعاج الايراني من مسألة حقل كاريش. لبنان واضح من الخلاصة، والدولة اللبنانية غير موجودة وغائبة في هذا الشق وفي حركة حزب الله الأخيرة، والواضح أننا في دولة متهالكة ولهذا أسبابه الموضوعية لأننا أمام إنهيار حقيقي وحزب الله له الدور الأساس فيه وهو من أداره وأوصل البلد الى ما وصلنا اليه اليوم”.
وقال الأمين: “نحن في حالة تلاشٍ وغيبوبة للقيام بأي خطوة تعكس أننا نملك دولة حقيقية وموجودة، وهذا يجعلنا نقول ان الورقة اللبنانية ليست بيد من يجب أن تكون بيده، انما بيد حزب الله الذي يستخدمها لصالح حسابات إيرانية بالدرجة الأولى وبالدرجة الأخيرة لبنانية. وما حصل لا يؤدي الى وقف المفاوضات، وحزب الله كان حريصاً على عدم إظهار موقف عدواني من خلال عدم إطلاق مسيّرات مسلّحة، وفي حال تأزمت الأوضاع وتطورت من البديهي أنها ستؤثر على المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل”.
اما الشيخ عباس الجوهري فاعتبر أن “هذه المسيرات تشبه دور المقاومة من 2006 الى اليوم، المقاومة الاستعراضية التي تعود بالخسارة على لبنان واللبنانيين، فهي التي أدارت التعطيل في مؤسسات الدولة بمجموع أيام استثنائي من حيث العدد وعطلت مواقع الرئاسة، وفشلت في المشاركة في ترسيم الحدود البحرية منذ حكومة فؤاد السنيورة وتلهت بإفتعال المشكلات ولم تعر الاهتمام لمراسلة الأمم المتحدة في إيداعها خرائط الحدود البحرية التي تصل الى الخط 29 الذي حدده الجيش اللبناني”.
أضاف الجوهري: “اليوم وفي خضم المسرحية التي بدأت تتكشف فصولها تقف المقاومة خلف الدولة التي تتحالف مع رئيسها بل ورؤسائها الثلاثة فمن إتفاق الاطار الذي تولى الاشراف عليه الرئيس نبيه بري بطلب من حزب الله الى تبليغ آموس هوكشتاين. وبالانصياع الى الشروط الأميركية نرى أن الحزب يقدم أوراق التنازل عن الخط 29 ويقبل بالتفاوض على الخط 23، وهذا ما تريده الولايات المتحدة واسرائيل ومعها الدول الأوروبية مقابل بقاء الحزب مسلحاً في لبنان. سلاح حزب الله أصبح سبباً لخسارة لبنان دوره وثروته مقابل السكوت عنه وعن بقاء سلاحه مترفعاً به ومتسلطاً على اللبنانيين وجاهزاً للاستعمال بالأجندة الايرانية وليس بالحسابات الوطنية اللبنانية. وهذه المسيّرات فصل من الاستعراض الذي لا يقدم سوى المزيد من عزلة لبنان وسبب في منعه من إستخراج نفطه وليس العكس”.
وقال النائب السابق الخبير العسكري العميد وهبي قاطيشا: “ما بيسترجوا إرسال مسيّرات حاملة أسلحة، ماذا يريدون إستطلاعه؟ كل شيء معروف فهل يريدون معرفة كم يبلغ طول الحفارة وعرضها في حقل كاريش؟ وبالتالي كل ما يحدث مرتبط بحزب الله، وهذه المسيّرات جاءت للإضرار بلبنان من جهة وبملف ترسيم الحدود مع إسرائيل من جهة أخرى، ومن أجل خدمة إيران، وهي عبارة عن رسالة من إيران الى أميركا وإسرائيل بأنهم موجودون هنا وبإمكانهم متى ما أرادوا القيام بما يحلو لهم. ومن الممكن أن تؤثر هذه الأحداث سلباً وتساهم في تأخير المفاوضات”.
يسعى “حزب الله” دائماً الى لفت الانتباه والأنظار إليه من خلال خطاباته و”البروباغندا” التي يستخدمها، ويبدو أن “عرض عضلاته” لم يعد كالسابق والسيناريو بات شبه محسوم.