لو كان عندنا دولة…

13 يوليو 2022
لو كان عندنا دولة…
علي بو حرفوش
علي بو حرفوش

نحن في بقعة مسماة دولة، ولها هيكلية دولة، صحيح أن هذا البلد يمتلك اطاراً سياسياً وادارياً، المتمثل في الرئاسات الثلاث ومجلسي نواب ووزراء، ويتبادر للوهلة الأولى الى الأذهان أن هذا بلد ديموقراطي… ولكن!.

لم أرد أن أحدثكم عن ذلك، فأنا أكره السياسة والسياسيين، وأهل الحكم والحكام الفاسدين، أردت فقط أن أجعلكم تتصورون، ماذا لو كان لدينا دولة؟ بالمعنى الحقيقي لدولة تدير بلداً؟

تعالوا معي لنعدد، وتحديداً ما أدركه وأعرفه أنا، وربما يمتلك الكثيرون منكم معلومات أكثر من ذلك بكثير.

لو كان لدينا دولة، تهتم في الحد الأدنى بالزراعة، لما كانت هناك حاجة مطلقاً الى الاستيراد الغذائي، فسهولنا شاسعة، ولدينا من المراعي ما لا تملكه بلدان أكبر حجماً من وطننا، كجمهورية تشاد ومالي وحتى بلدان عربية كليبيا. وهذه البلدان أصغرها تعادل مساحتها مساحة بلدان مئات المرات وربما أكثر!.

لدينا سهول زراعية تكفي لسد الحاجات وتزيد، ولدينا أيد عاملة محلية وأجنبية، قادرة على جعل الانتاج المحلي كافياً لسد العجز الغذائي، والتحول نحو التصدير المربح؛ أو التوجه الى دعم الصناعات الغذائية بموارد محلية بالكامل. لن تجد لبنانياً واحداً جائعاً؛ لو تم انشاء صندوق التكافل الغذائي محلياً؛ وكان ذلك ليحصل، لو كان لدينا دولة!.

لو كنا في دولة تبحث بين مواردها، وتريد الاعتماد على ذاتها، لما أهملت تاريخها العريق، والنصب التاريخية التي تمتد عميقاً في التاريخ، فهذه الأرض التي مر عليها الاسكندر فاتحاً وغازياً، وعبرتها جيوش داريوس وركبت بحرها الى اليونان، هذه البقعة التي شع منها نور الأبجدية الأولى مع فينيقيا، وكانت قلاع روما تنتشر فيها، لو كان لدينا دولة؛ لما رمينا وراءنا كل هذا التاريخ المجيد، الذي يقف شامخاً ينظر نحو أفق الأبيض المتوسط، مستظلاً بجمال أرز الرب وخلوده في أعالي جباله الشامخة.

لهذا كله والكثير غيره، كان الأجدر بالسياحة في لبنان أن تكون الأولى على وجه المعمورة، فليس في بلد من بلدانها؛ تاريخ وأرض وآثار، مثلما يوجد في هذا البلد، ولكن… لو كان لدينا دولة!.

في بلد يتمتع بسوق مالية كبيرة، مصارف شهد لها العالم بالتفوق حتى غزت الأسواق الأخرى وفتحت لها فروعاً فيها، أضف الى ذلك بنية تعليمية متقدمة لا تراها الا في بلدان العالم المتقدم، والتي قدمت للعالم علماء وأطباء ومعلمين، رأى العالم أجمع نجاحاتهم حتى شغلوا أعلى المراكز، وتمنت دول كثيرة أن يكون لها مثل ذلك، نراه يذهب طي النسيان، ومعاول الهدم تطاله من كل جانب، بدلاً من تحقيق اصلاحات فيه، وادخال مواد تساهم في زيادة تفوقه وريادته، وما كان ذلك ليحصل لو كان لدينا دولة!.

من بيروت، التي كانت تسمى في يوم من الأيام “درة التاج” في عهد العثمانيين، وعاصمة ما كان يعرف بـ “سويسرا الشرق”، كنا نتمنى لو أن حالنا كان أفضل، ولكن، واأسفاه، نتخبط في واقع اقتصاد أمر من الحنظل، وحالة اجتماعية سوداء مظلمة، قوامها انتشار الجريمة، والبطالة والجهل، وكل ذلك ما كان ليكون، لو كان لدينا دولة!.

ختاماً، من بلد القديسين والأولياء والصالحين، هذه الأرض التي سار عليها الفادي، السيد المسيح، وباركها، هذا البلد اليوم الذي غزاه الفساد والمفسدون، لا نملك الا أن نرفع الأيدي ونفتح القلوب بصلاة خاشعة صادقة، والدموع تسيل على الخدود المتألمة، مع ضوء شمعة أمل نشعلها، لعل الله يشفينا من الفساد، وينجينا من الشرير.


علي بو حرفوش
*باحث ومتخصص في العلوم الاجتماعية