تُستأنف اليوم الحركة السياسية لا سيما فيما يتعلق بالملف الحكومي مع عودة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي من إجازته العائلية، بعد عطلة عيد الأضحى التي لم تخل من المؤشرات السلبية الناتجة عن تبادل الاتهامات عبر المصادر بالتعطيل، وتداول الأخبار والشائعات حول آلية التأليف، مرورا بقيادة الفراغ الرئاسي في حال حصوله والفتاوى الدستورية التي يمكن أن يصدرها بعض المستشارين، وصولا الى الانتخابات الرئاسية ومن يمكن أن تحمل الى قصر بعبدا خلفا للرئيس ميشال عون.
كثيرة هي الاتهامات والشائعات التي سيقت في الأيام الماضية، وبالرغم من الصمت الرسمي الذي إلتزمتا به بعبدا والسراي، فإن البعض أصر على التحليل والاستنتاج ومن ثم البناء على ما يشاع، وتحميل المسؤوليات بالشكل الذي يتناسب مع توجهاته السياسية والحزبية لا سيما من قبل التيار الوطني الحر، الذي يكاد رئيسه وبعض قياداته يخرجون عن أطوارهم بفعل تمسك الرئيس ميقاتي بتشكيل الحكومة وفقا للآليات الدستورية المرعية وليس وفقا للأهواء الشخصية والمصالح السياسية.
وبالرغم من الضجيج الذي أثير حول العلاقة بين الرئيسين عون وميقاتي، فإن ثمة مسلمات لدى الرئيس ميقاتي تقضي بأن يختم العلاقة مع عون في نهاية عهده بشكل جيد كما بدأت مع تكليفه بتشكيل حكومة “معا للانقاذ”.. وأن يتابع عملية التأليف بنفسه مع رئيس الجمهورية، وليس عبر وسطاء أو الرسائل، ما يعني أن حراك وزير السياحة وليد نصار عشية العيد كان بمبادرة شخصية منه نظرا للعلاقة الودية التي تربطه مع الرئيسين.. وأن يتجنب كل أنواع التعطيل ويسارع الى تشكيل حكومة تستطيع أن تستكمل بعض الملفات العالقة من الحكومة المستقيلة فيما تبقى لها من وقت قليل لا يتعدى المئة يوم، إضافة الى عدم السماح لأي كان بالاعتداء على صلاحيات رئاسة الحكومة أو مخالفة الدستور وتفسير بنوده بالشكل الذي يناسبه.
بات واضحا، أن النائب جبران باسيل يسعى الى تحقيق أكبر إستفادة من حكومة العهد الأخيرة على صعيد التعيينات الادارية والعسكرية والتشكيلات الدبلوماسية بما يمكنه من فرض نفوذه على المفاصل الرئيسية في الدولة خلال العهد الجديد، وهو في الوقت نفسه، يمارس الزهد السياسي بإعلان عدم الرغبة بالمشاركة في الحكومة، متلطيا بذلك وراء التأكيد على حق رئيس الجمهورية في التسمية وتوزيع الحقائب وهو أمر مخالف للدستور بشكل واضح، خصوصا أن تشكيل الحكومة هو من مهام الرئيس المكلف بالتشاور مع رئيس الجمهورية، وليس بالشراكة معه.
لذلك، فإن جهود باسيل وفريقه تنصب اليوم على الضغط على الرئيس ميقاتي عبر إتهامه بالمماطلة وبالابقاء على حكومته المستقلية في تصريف الأعمال، علما أن الوقائع تدحض كل ذلك، خصوصا أن ميقاتي قدم تشكيلة كاملة لحكومته بعد يوم واحد من الاستشارات النيابية غير الملزمة، وهي ما تزال في أدراج مكتب رئيس الجمهورية ميشال عون القادر على إخراجها ودراستها وتوقيع مراسيمها لتبصر النور وتنتقل الى المرحلة الثانية المتعلقة بإعداد البيان الوزاري الذي ستنال على أساسه الثقة في مجلس النواب.
كل ذلك، يعني أن الرئيس ميقاتي قام بواجباته الدستورية بتقديم تشكيلة حكومية متكاملة وفي أسرع وقت تحسسا منه بالمسؤولية الوطنية، لكن إذا كان رئيس الجمهورية يريد تقديم الهدايا الوزارية الى التيار الوطني الحر في نهاية عهده لابقائه على قيد الحياة السياسية أو للحفاظ على نفوذه في السلطة، وإذ كان يصر على الانتقال من التشاور مع رئيس الحكومة المكلف بأسماء الوزراء والحقائب، الى فرض تشكيلة عليه تخدم التوجهات البرتقالية، وإذا كان صحيحا ما أشاعته المصادر بأن الرئيس ميقاتي طلب موعدا لزيارة عون ولم يأته الجواب، فإن ذلك يؤكد أن للتعطيل مصدر واحد هو قصر بعبدا، وأن هذا التعطيل قد يستمر ويكون له تداعيات سلبية، خصوصا أن من يعرف ميقاتي يدرك أنه ليس في وارد التخلي عن صلاحيات رئاسة الحكومة، وليس بوارد السماح لأي كان بالاعتداء على الدستور.