العوض بسلامتكم

21 يوليو 2022
العوض بسلامتكم
 صلاح تقي الدين
صلاح تقي الدين

بعدما كانت بعض ملامح التفاؤل سجلت مع بداية موسم الاصطياف الحالي وقدوم العدد غير المتوقع من الزائرين إلى لبنان، وبعدما كانت التوقعات تشير إلى تدفق كبير للأموال نتيجة مجيئهم، فجأة تطل علينا “قاضية” العهد القوي لتطيح بكل الآمال إما عبر “خطة” مدروسة من قبل مشغليها في قصر بعبدا لضرب آخر مقومات وجود “دولة ومؤسسات”، وإما عن حقد دفين أرادت الاستمرار في تفجيره بوجه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

لا يمكن فصل المسرحية التي مثّلتها غادة عون، المدعية العامة الاستئنافية في جبل لبنان، عن الإطار الممنهج لضرب صدقية المؤسسات الرسمية ونحرها وترك دمائها تسيل على قارعة الطريق، وذلك على بعد أيام أًصبحت معدودة لنهاية العهد المشؤوم الذي حلّ على لبنان.

لنبدأ مع الوعد الذي قطعه رئيس هذا العهد للبنانيين بتسليم خلفه بلداً أفضل مما استلمه في العام 2016. في ذلك العام كان الدولار ثابتاً على سعر 1500 ليرة، وسعر تنكة البنزين 21 ألف ليرة وسعر ربطة الخبز ألف ليرة واللبنانيون يعيشون في بحبوحة معقولة (ولو مصطنعة)، والأهم كان الدواء متوافراً للجميع من دون منة، والمدارس الخاصة تستوعب حوالي 60% من طلاب لبنان، حتى الكهرباء كانت تنعش اللبنانيين في صيفهم وتدفئهم في شتائهم بمعدل 12 ساعة يومياً على الأقل.

أين نحن اليوم عشية نهاية العهد مما كنا عليه لدى استلام الرئيس وصهره السلطان الحكم؟ الدولار يحلّق من دون أفق لسعره، تنكة البنزين تساوي الحد الأدنى للأجور، الدواء بالقطارة إن وجد، والمدارس تقفل أبوابها على مدار الساعة ووزير التربية ينبّه على صعوبة انطلاقة عام دراسي جديد، والكهرباء علينا أن نفتش عنها لدى الصهر أو أزلامه الذين تعاقبوا على إدارة وزارة الطاقة التي لا يزال يصر على إبقائها في عهدته لتحقيق الانجازات (يا رب نجينا). حقاً صدق فخامة الرئيس عندما تنبأ بنزولنا إلى جهنم، وربما هذا كان “الوعد الوحيد الصادق” الذي أطلقه.

ومسرحية ملاحقة حاكم المصرف المركزي، الممتدة فصولاً منذ نحو ستة أشهر، كان أفظع مشاهدها ذلك الذي مثّلته غادة عون أمام مصرف لبنان في الحمراء يوم الثلاثاء، حين خالفت كل القواعد القضائية على الأقل من حيث صلاحيتها المكانية، فهي تمون وتأمر في محافظة جبل لبنان وسبق لنا أن شهدنا لها مسرحيات أخرى مثل عملية اقتحام مقار “شركة مكتف” ولم تطلع الجمهور اللبناني العريض الذي تابع مسرحيتها، على نتائج ما اكتشفته في خزائن منزل الراحل ميشال مكتف من وثائق تدينه بالتهم الكثيرة التي وجهتها إليه، وذهب نتيجة القهر الذي مارسته بحقه نتيجة ذبحة قلبية وارتفاع في ضغط الدم لم يكن ليعاني منه لو لم تتقصّد حضرة المدعية العامة إهانته و”تلبيسه” جرائم غير منصوص عنها في قانون العقوبات، إلا في قانونها وقانون من دفعها الى القيام بما قامت به.

هل كانت تعلم القاضية عون أن نتيجة هذه الممارسة الفولكلورية (التي انتقدت تسميتها بذلك) استكمال لضرب هيبة القضاء، وإهانة موظفي مؤسسة رسمية دفعتهم إلى إعلان الاضراب، ما سيترتب على ذلك من نتائج وخيمة بحق اللبنانيين؟ هل تعلم أن ما قامت به جاء تنفيذاً لأوامر من وضع خطة لسحق هيبة القضاء والاجهاز على المؤسسات الرسمية العامة الواحدة تلو الأخرى والتي أصلاً انهارت نتيجة الاضراب المفتوح الذي أعلنه موظفوها؟

واستكمالاً أو تماشياً مع خطة ضرب هيبة القضاء، يستدعى أنظف موظف في الإدارات الرسمية بشهادة الجميع من دون استثناء، المدير العام لإدارة المناقصات في هيئة التفتيش المركزي جان العلية للاستماع إليه بصفة شاهد في قضية تدخل في صلب مهامه الادارية، وتتعلق بصفقة لا يبدو تيار العهد القوي بعيداً عنها.

كما لا يمكن فصل توقيف النائب البطريركي العام على الأراضي المقدسة في فلسطين المطران يوسف الحاج بموجب إشارة من مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، واحتجاز جواز سفره ومصادرة ما كان يحمله من مساعدات عائداً بها من فلسطين من أدوية وأموال، عن هذا المسار المتصل، إذ أنها سابقة خطيرة تسجّل بحق رجل دين رفيع المقام ومرتبط عبر الكنيسة المارونية بكرسي البابا في الفاتيكان.

إن شئت الاجهاز على دولة ومؤسساتها، عليك أن تبدأ بضرب القضاء، وهذا تماماً ما يفعله الذين يديرون لعبة الأيام الأخيرة من العهد القوي، إنهم مصممون على عدم تسليم بلد إلى رئيس منتخب، وإذا كان هذا الرئيس (إن أتى) على هواهم، فهم على الأقل سوف يسلمونه بلداً متهاوياً ومؤسسات مشلّعة وعليه أن يبدأ بإعادة ترميمها وتنظيمها ما لا يعطيه أي مجال كاف لمحاسبة العهد الذي يخلفه على ما جناه.

والسؤال إلى فخامة رئيس البلاد الذي هو صاحب مقولة “التدقيق الجنائي”، كيف يمكن أن يرفع شعار التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، ثم يسمح بأن يدان حاكمه قبل أن ينتهي التحقيق؟ في القانون، المتهم بريء حتى تثبت إدانته، والتدقيق الجنائي هدفه إدانة رياض سلامة، فكيف يمكن إدانته مسبقاً بواسطة غادة عون؟

بالمختصر، العوض بسلامة اللبنانيين بزوال الدولة ومؤسساتها، والدليل فقدان القضاء ما تبقى له من هيبة وانهياره، والبداية كانت باحتجاز مرسوم التشكيلات القضائية لأن رياحها لم تناسب سفن الصهر والمستشار والقاضية.