بعد تجربة “الجنرال” و”الرئيس”… مئة يوم من “الأمل”؟

31 يوليو 2022
بعد تجربة “الجنرال” و”الرئيس”… مئة يوم من “الأمل”؟
 ياسين شبلي
ياسين شبلي

وأخيراً… بدأ العد التنازلي لنهاية ولاية “العهد القوي” التي لم يتبقَ منها سوى مئة يوم أو أقل. وإذا كان من المتعارف عليه في الممارسة السياسية في كل بلدان العالم الديموقراطية و”الطبيعية”، أن ينتظر الوسط السياسي والناس نهاية أول مئة يوم من عمر أي سلطة كي يستكشف المستقبل عبر طريقة تطبيق برنامج العمل الذي تقدمت بموجبه لطلب الوكالة لممارسة الحكم، فإن عندنا في لبنان وتأكيداً على أنه بلد “غير طبيعي”، ويسير دائماً بعكس المألوف أو بالأحرى بـ “المقلوب”، فإن الناس باتت تنتظر وعلى أحر من الجمر نهاية آخر مئة يوم من عمر هذا العهد الـ “غير شكل” حتى تتبيّن مستقبل البلد ومصيره، وتنظر بعين الأمل إلى نهاية هذه المدة لعل وعسى تكون بداية جديدة تحمل معها بداية حلحلة أو على الأقل توقِف الإنهيار وتحدّ من تداعياته على الوطن والناس، على الرغم من عمق الأزمات التي يعاني منها البلد منذ أمد طويل والتي باتت تتخطى حقيقة – ولنكن منصفين – إمكانات هذا العهد وهذه الطبقة السياسية في وضعها الحالي بأكملها ما دامت لم تغير نهجها وممارساتها التي أوصلت إلى هذا المصير، والتي فاقم من تداعياتها بلا شك وجود هذا العهد الذي فُرضَ بقوة الأمر الواقع، بممارساته الكيدية وتغوّله وعطشه للسلطة وإحتكارها بحجة إستعادة الحقوق، مدعوماً ومسكوتاً عنه من ولي نعمته السياسية “حزب الله” الذي ينفذ بواسطته سياساته المرسومة التي تتخطى المصلحة اللبنانية إلى مصلحة المحور الذي ينتمي إليه والذي – ربما – يرى المصلحة اللبنانية من خلاله إذا أحسنَّا الظن.

هذا الأمل الذي قد يراه البعض “غير واقعي” هو في الحقيقة يبرز مدى سوء الأوضاع وإستياء الناس، واعتقادها بأن الآتي مهما يكن لا يمكن أن يكون أسوأ مما تعيشه اليوم، وأن مجرد إنتهاء عمر هذا العهد يعتبر أملاً بحد ذاته وبشرى سارة يمكن البناء عليها، وذلك بعد معاناة مريرة من الفشل وسوء الإدارة على المستويات السياسية والاقتصادية والمالية كافة، خاصة في السنوات الثلاث الأخيرة التي دخل فيها البلد والناس “جهنم” التي كان قد بشَّر بها سيد العهد، ولعلها البشرى الوحيدة التي تحققت من جملة البشائر والوعود التي كان قد أطلقها ومعه فريقه السياسي منذ ما قبل توليه السلطة، بإسم “التغيير والإصلاح” تارة، و”لبنان القوي” تارة أخرى، فكانت النتيجة بعد أربعة عشر عاماً من دخوله “جنة” السلطة، وست سنوات من توليه المسؤولية الأولى فيها مع أكثرية وزارية ونيابية وإدارية له ولحلفائه، أن قادتنا جنته السلطوية إلى الجحيم في معادلة عجيبة غريبة تتلخص في أن جنة الحاكم هي جهنم المحكوم.

قد يقول قائل ويدَّعي آخر، بأن تحميل العهد وزر هذا الوضع الشاذ، فيه الكثير من التجني عليه وعلى المسؤولين فيه من أعلى الهرم إلى أسفله لأن هذا الوضع هو ثمرة فشل سياسات عمرها سنوات طويلة بدأت منذ بدايات تطبيق إتفاق الطائف وحتى اليوم. قد يكون هذا الكلام صحيحاً نسبياً لكن من يتبنى هذا الرأي يجهل أو يتجاهل أن أحد أهم أسباب سوء تطبيق بعض بنود الطائف وتجاهل بنود أخرى، يتحمل المسؤولية الكبرى فيها “الجنرال” ميشال عون حينما رفض الطائف وأعلن العصيان والتمرد عليه، رافضاً الاعتراف بمخرجاته من إنتخاب الرئيس الشهيد رينيه معوض بداية إلى إنتخاب الرئيس إلياس الهراوي ما تسبب يومها بحروب دمرت البشر والحجر وأضعف الموقف اللبناني أمام الآخرين، كما أضاع على لبنان أكثر من سنة كان العالم خلالها مهتماً بمواكبة تطبيق الطائف قبل أن يأتي الغزو العراقي للكويت ليقلب المعادلات ويضع الخليج في سلم الأولويات ويدفع لبنان الثمن لاحقاً عبر تلزيم تطبيق الطائف للنظام السوري مقابل مشاركته في التحالف الدولي لتحرير الكويت.

مرت الأيام وتطورت الأحداث وعاد ميشال عون هذه المرة رئيساً “قوياً” بمفهومه، على اعتبار أنه أقوى الزعماء الموارنة في تقليد جديد أدخله على المشهد السياسي اللبناني بدعم من حليفه “الثنائي الشيعي”، الذي تلاءم هذا التقليد القاضي بأن يتولى المسؤولية الطرف الأقوى في طائفته مع مصالحه السياسية في الإطباق على الساحة الشيعية، ما أدى إلى تعطيل إنتخابات الرئاسة وفرض ميشال عون مرشحاً وحيداً، ساعدت على ذلك النظرة الضيقة الى الأمور والمزايدات الطائفية في الصف الماروني التي تمثلت بإتفاق معراب الذي قضى بأن يتولى ميشال عون الرئاسة مقابل المناصفة في المناصب المارونية على طريقة “الثنائي الشيعي”، ما أدى في نهاية المطاف إلى ما سمّي التسوية الرئاسية بين تيار “المستقبل” و”التيار الوطني الحر” كذلك، وكان ما كان.

نسرد هذه الوقائع لنقول بأن هذا العهد في الحقيقة بدأ “قوياً” بالتسويات التي عقدها مع بقية أطراف الطيف السياسي وليس بقوته الذاتية، هذه التسويات التي أتاحت الوصول إلى مؤتمر “سيدر” بجهود الرئيس سعد الحريري وحكومته الأولى، والتي كان لها أن تنقل البلد إلى مكان آخر لولا أنه بهمة “المستشارين” ومرشدهم إختار “الإنقلاب” عليها بعد أن قضى منها وطره بالوصول إلى سدة الرئاسة ومن ثم إقرار قانون الإنتخاب الذي منح أكبر كتلة نيابية لـ “التيار الوطني الحر” الذي كشر بعدها عن أنيابه، وعاد إلى طبيعته فإنقلب بداية على سعد الحريري ومن ثم على إتفاق معراب، وبدأ العمل على لعبة “التوريث” بكل ما يحتاجه هذا الأمر من مزايدات طائفية وتعطيل وإستحواذ على وزارات معينة، كانت نتيجتها أن تعطل البلد وأصيب بالشلل لتأتي ثورة 17 تشرين وتنكشف “عورة” هذه الطبقة السياسية وبالأخص هذا العهد الذي واجه الثورة بلامبالاة وخفة وعناد، وإصرار على وضع التوريث أولوية له تتقدم على باقي الأولويات، ما تسبب بتشكيل حكومة حسان دياب التي سرَّعت الإنهيار والإنحدار عبر سياساتها العشوائية والشعبوية، وأولها وقف دفع سندات اليوروبوندز من دون خطة مدروسة ولا مقدمات منطقية، هذه السياسات التي أطاحت بما تبقى من ثقة بالوضع المالي وبأموال إحتياطي مصرف لبنان التي ضاعت على دعم وهمي وغير خاضع للرقابة، فقام العهد محاولاً تغطية هذا الفشل بالهروب إلى الأمام وملاحقة حاكم مصرف لبنان مسلطاً عليه “غادة العهد” في مسرحيات هزلية وملاحقات أشبه بمطاردات توم آند جيري الكرتونية، ما أعطى صورة ولا أسوأ عن القضاء في لبنان وما بعد بعد القضاء، بعد أن كان قد أفشل أيضاً المبادرة الفرنسية وعرقل تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل حكومة إنقاذ بسبب المناكفة السياسية والخصومة الشخصية، كل هذا ويدَّعي المظلومية والبراءة من كل هذه الموبقات تحت شعار ساذج ومستفز وأخرق هو شعار “ما خلونا”. من هنا وبعد كل هذه الممارسات والنتائج التي أفرزتها، يصبح إنتظار الناس انتهاء المئة يوم المتبقية من عمر هذا العهد بلهفة وأمل شعوراً أكثر من طبيعي، في بلد “غير طبيعي” لأن الأسوأ في نظرها قد مرَّ.

المصدر لبنان الكبير