لبنان الملتحق بخراب المشرق

9 أغسطس 2022
لبنان الملتحق بخراب المشرق
 محمد علي فرحات
محمد علي فرحات

يبدو لبنان اليوم غريباً أمام الذين عرفوه في نهضته واختبروه وأعجبوا به، فهو يعاود سيرته القديمة مجموعة طوائف بل قبائل، يرى كل منها نفسه في المرآة وحيداً فريداً لا يشبه شركاءه في الوطن، بل انه يراهم منافسين وأحياناً أعداء يشترط الغاءهم ليؤكد وجوده وحده.

لبنان هذا الغريب يلتحق نهائياً بفوضى المشرق العربي، أي أن الشعب اللبناني الذي صار شعوباً يشبه الفلسطينيين حين يحارب فصيل منهم الاحتلال الاسرائيلي فلا يجد عوناً من سائر الفصائل، بل نراه ينتظر تلقيهم ضربة ماحقة من الجيش الاسرائيلي ليؤول الأمر اليه ويصبح وحده الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني.

لا فرق في ذلك بين الفصائل، ومنها “حماس” التي تنتظر موت تنظيم “الجهاد” بيد عمرو الاسرائيلي لا بيدها ليستقر حكمها وحدها لقطاع غزة.

هكذا نرى المناضلين في صورة تنظيمات متصارعة على تمثيل حق ضائع وشعب بائس تتعاقب عليه سلطات تنطق باسم فلسطين وتعتبرها منبعاً للمال وليس لما يسمى حق الشعب في تقرير مصيره. ولبنان جزء من خراب المشرق هذا تجاوره اسرائيل المتراجعة نحو صورة متخلفة يكاد يخجل بها يهود العالم، وتجاوره أيضاً سوريا التي اعتادت انكار اسمها الوطني لمصلحة عروبة متوهمة، وقد شهدنا السوريين في غالبية مرحلة استقلالهم الوطني يفضلون نعت “القطر” على نعت “الوطن” حين يتحدثون عن سوريا، وينزلقون بخفة من مرحلة اعتراض على طريقة حكم وطنهم كما يفترض بشعب طبيعي الى مرحلة اعتراض مدينة على مدينة أخرى وطائفة على طوائف أخرى، حتى صارت سوريا الغنية بعنصرها البشري المتنوع وثرواتها الطبيعية المتعددة أشبه بمشروع حرب أهلية تبدأ حين يضعف الحكم المركزي وتنصرف الأطراف الى عداواتها المتوهمة. وهذا ما شهدته الثورة السورية بدءاً من العام ٢٠١١ التي تحولت بسرعة فائقة الى حرب أهلية بين الثوار أنفسهم وإن لم يعرفوا بذلك الاّ متأخرين، بل انهم لم يعلنوا حتى الآن ندمهم على سلوك لا يمت الى الثورة بصلة انما كان يستدعي عداوات وشروخاً داخلية ويستثمرها بالولاء الى قوى كبرى اقليمية وعالمية ذات مصالح استراتيجية.

وليس العراق استثناء في خراب المشرق العربي بقدر ما هو الاعلان الساطع عن هذا الخراب، بل ان العراق لم يعرف الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي الاّ في عهد الديكتاتورية العسكرية على الرغم من سيئاتها المشهودة. فما ان انقضى حكم صدام حسين بفعل الوجود العسكري الأميركي المطعم بجنسيات عربية وأجنبية، حتى تهدم الاجتماع السياسي وتعاظم نفوذ الجارين الايراني والتركي وتوسعت أحلام الاستقلال الكردي عن العراق الأم. وبتنا نشهد في العراق اليوم زعامات غير مؤهلة تستند الى عون أجنبي والى عصبية طائفية محلية، ولم يستطع المراقبون الأجانب استيعاب حالات عجيبة مثل زعامة مقتدى الصدر غير المفهومة وغير المبررة، فها نحن أمام عالم دين يشكك كثيرون في فهمه للعلوم الدينية وأمام قائد شعبوي يغيّر شعاراته من النقيض الى النقيض من دون أن يخشى تراجع الموالين له.

ومثل مقتدى الصدر آخرون يتشابهون في السلوك، ويجمع بين هؤلاء جميعاً أن وجودهم يعني في الدرجة الأولى انهيار الوعي السياسي لدى العامة والخاصة في العراق وذوبان عائدات النفط الضخمة فلا يبقى منها للشعب سوى الفقر وانقطاع الماء والكهرباء.

وبالعودة الى غرابة الوضع اللبناني الملتحق بخراب المشرق لاحظ المتابعون للانتخابات النيابية الأخيرة عودة واضحة للحراك الطائفي لم يشهدها لبنان حتى في حروبه الأهلية، لكن ذروة هذه العودة البائسة تجلت لدى الطائفة الشيعية في الجنوب والبقاع وسائر المناطق فانحصر التمثيل في “حزب الله” – “أمل” نتيجة حرب واضحة ضد الشيعة الخارجين عن سلطة “الثنائي”، وهذا الوضع البائس لم تشهده سائر الطوائف اللبنانية التي أتت الى البرلمان الجديد بنواب مختلفي الاتجاهات السياسية كما هي حال الموارنة وسائر المسيحيين وكما هي حال الدروز أيضاً وإن حظي السيد وليد جنبلاط وحزبه بحصة الأسد من تمثيل الطائفة لكنه لم يصل الى احتكار هذا التمثيل. ولا تنفع شعارات المقاومة بتبرير التمثيل الأحادي – “الثنائي” البائس للشيعة اللبنانيين.

المصدر لبنان الكبير