غياب سعد الحريري… وغيبوبة الطائفة!

17 سبتمبر 2022
غياب سعد الحريري… وغيبوبة الطائفة!
 ياسين شبلي
ياسين شبلي

مع دخول لبنان مهلة الشهرين لاستحقاق إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، وبعد أن طرح كل من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والرئيس نبيه بري ورئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط، وبعدهم رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع وحزب “الكتائب” ونواب قوى التغيير مواصفاتهم للرئيس العتيد، يلاحظ غياب الطائفة السنية – حتى الآن على الأقل – عن هذا الاستحقاق المفصلي في حياة لبنان، توازياً مع شلل الموقع السني الأول في الدولة – وبالتالي البلد – وهو رئاسة الحكومة بفعل إستقالتها بعد الإنتخابات النيابية الأخيرة، ومن ثم نتيجة العراقيل التي توضع في طريق الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة نجيب ميقاتي، وهي حكومة العهد الأخيرة كما هو معروف ما يجعل هذا الأمر سبباً إضافياً للعرقلة – بإعتبار أن التعطيل كان دائماً سمة هذا العهد – نظراً الى كون هذه الحكومة هي من سيتولى الحكم في حال تعذر إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهو ما يبدو مرجحاً حتى الآن على الأقل.

الواقع أنه لا يختلف إثنان على أن الغياب السني عن المشهد السياسي بدأ مع غياب الرئيس سعد الحريري، الذي أعلن في 24 كانون الثاني الماضي كما بات معروفاً تجميد العمل السياسي له ولتياره وعزوفه عن خوض الإنتخابات النيابية وهو ما حصل بالفعل، وقد جاءت خطوته تلك بعد مسيرة سياسية لم تكن أبداً سهلة ودامت 17 عاماً تعمّدت بدم الكثير من الشهداء، وبدموع الكثيرين من أهالي الشهداء والناس العاديين الذين آمنوا بهذه المسيرة التي بدأت بمأساة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتخللها الكثير من الأحداث والتطورات على مستوى لبنان والعالم العربي التي كان لها عظيم الأثر على ما وصلت إليه الأمور اليوم سواء على مستوى الوضع في لبنان ككل، أو على مستوى وضع الطائفة السنية خصوصاً، التي يبدو وكأنها دخلت في غيبوبة سياسية منذ أن خرج الرئيس سعد الحريري ولم يعد، وهو الذي حُمِّل وزر كل هذه التطورات بدءاً من بيئته المذهبية والسياسية، وإنتهاءً بالأصدقاء والحلفاء الذين ما تركوا مثلبة أو تهمة سياسية إلا وألصقوها به فكان أن أحرجوه فأخرجوه، من دون أن يكون هناك بديل مقنع للناس، فبدا الأمر بعد ثمانية أشهر على الغياب وكأن المطلوب كان رأس سعد الحريري السياسي فقط ولأسباب لا علاقة لها البتة بمصلحة الطائفة السنية ولبنان، وإلا كيف يمكن للمرء أن يفسر هذا الدور الضعيف للطائفة وهذا الغياب عن مسرح الأحداث سواء في الإنتخابات ونتائجها، أو في المرحلة التي تلتها بحيث لم يعد في الميدان سوى “حديدان”، وهو هنا الرئيس المكلف الذي يواجه تنكيلاً سياسياً كما واجه قبله سعد الحريري في ظل غياب تام للمرجعيات السياسية السنية، بإستثناء بيان يتيم صدر عن المجلس الشرعي الاسلامي كان أشبه ببيان رفع عتب؟ وهو ما يؤشر إلى ضياع وتشتت في صفوف الطائفة الذي لا ينعكس سلباً عليها فحسب، بل على البلد ككل ولو بعد حين نظراً الى ما تمثله هذه الطائفة من ثقل تاريخي ووطني وقومي.

فالسياسة والزعامة في لبنان لم تكونا يوماً مرتبطتين بمقعد نيابي من هنا أو وزاري من هناك، بل بالدور الذي تلعبه الطائفة عبر شخصياتها التي تتصدى للعمل العام ومدى جديتها ورصانتها، وهنا يحق للمرء أن يسأل عن الشخصيات التي تصدت لسعد الحريري – وهذا حقها في أي حال – حد “التكفير” السياسي والمذهبي والوطني، أين هي اليوم وأين مشروعها المضاد لمشروع سعد الحريري الذي لطالما إدَّعت بأنه المسؤول عما وصل إليه حال الطائفة وبالتالي البلد؟ أين بهاء الحريري ونهاد المشنوق ورضوان السيد؟ أين أشرف ريفي وعنترياته وقد بات أقصى أمانيه أن يكون ملحقاً بـ “القوات اللبنانية” باحثاً عن فتات دور؟ أين الأقلام التي “سُنّت” للطعن بسعد الحريري وخياراته بإعتبارها خيارات قاتلة و”ساذجة”، حتى سُنَّة “حزب الله” و 8 آذار الذين كانوا يملأون الدنيا ضجيجاً بوجه سعد الحريري، بلعوا ألسنتهم واختفوا بعد غيابه عن الساحة، ألا يدعو هذا للتساؤل والعجب؟

إن ما يحصل اليوم للطائفة السنية من تشتت و”ضياع” – ولو موقت ففي لبنان لا حال يدوم – يعطي مرة أخرى صك براءة للرئيس سعد الحريري – مع الاعتراف بمسؤوليته النسبية عن الوضع – من تهمة “إخراج الطائفة من المعادلة الوطنية” وتهمة “الانبطاح” أمام “حزب الله” وحلفائه والتفريط بحقوق أهل السنة والجماعة، هذه التهم الثقيلة على نفس أي إنسان فكيف بالحري على إبن رفيق الحريري؟ وتثبت الأحداث والتطورات يوماً بعد يوم بأن الرجل لم يقصِّر ولم يتهاون، بل كان يتعامل مع واقع صعب ومعقد نتيجة موازين القوى المحلية والاقليمية، هذا الواقع هو أكبر من أن يعالج عبر الشعارات والعنتريات الفارغة التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، وبأن الرجل أعطى من جهده وإجتهاده مئة بالمئة ولكن لم يكن ليضمن النتائج بالنسبة نفسها لأن الأمر مرتبط بجهات عدة غيره، والدليل ما يحصل اليوم من شلل وإستمرار للإنهيار، وتواري “أسود السُنة” عن الساحة، وهنا ينطبق عليه الحديث الشريف “من إجتهد فأصاب فله أجران وإن لم يصب فحسبه أجر واحد، ومن طلب الحق فأخطأه ليس كمن طلب الباطل فأصابه”، نقول هذا تقريراً لواقع وليس تزكية لأحد، ومحاولة حث للبحث عن حلول عملية وواقعية بعيداً عن لغة الإتهامات المسبقة أو منطق “قوم لأقعد محلك”، فالبلد لم يعد يحتمل حرتقات سياسية ومزايدات نابعة اما من حقد شخصي أو كيد سياسي لا يوصل إلا إلى الفشل والضياع.

اليوم تدعو دار الفتوى الى إجتماع للنواب السنة في 24 أيلول – الذي يصادف مرور 8 أشهر على خروج الحريري من المشهد – للتداول في الاستحقاقات الوطنية وعلى رأسها إستحقاق رئاسة الجمهورية، البعض سيلبي والبعض الآخر يعترض بحجج واهية على طريقة “شوفيني يا منيرة”، ولا ندري ما هي الخطوة التالية لهذا الاجتماع الذي قد لا يخرج بموقف موحد نظراً الى التشتت الحاصل، لكنه على الأقل خطوة أولى في مشوار طويل – عسى أن لا تكون متأخرة – على جميع أطراف الساحة السنية أن تتعامل معه بمسؤولية عالية لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من البلد، ومرة أخرى على طريقة الإجتهاد عله هذه المرة يصيب رحمة بالناس والبلد الذي بات إلى قعر جهنم أقرب وعلى حافة التحلل، وتستفيق الطائفة من غيبوبتها ليستفيق الوطن. نقول هذا بغض النظر عن موقفنا الشخصي من الاجتماعات ذات الطابع الطائفي والمذهبي، ولكن الواقعية السياسية والوطنية تقتضي البدء من مكان ما، ما دام هذا هو حال الوطن والناس حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.

المصدر لبنان الكبير