لماذا نسفت تل أبيب إتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان..؟

7 أكتوبر 2022
لماذا نسفت تل أبيب إتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان..؟
عبد معروف
عبد معروف

عم التفاؤل في بيروت، خلال أيام ماضية، بعد الحديث عن إحتمال توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بوساطة أمريكية، وأطلقت البيانات وتصريحات التي تعلن انتصار لبنان خلال المفاوضات غير المباشرة مع تل أبيب، وتمكن لبنان استنادا لأوراق القوة التي يمتلكها من إجبار العدو على منح لبنان حقه في المياه الاقليمية.

وترجم هذا التفاؤل اللبناني بانخفاض بسيط بسعر صرف الدولار الأمريكي، أو بتوقف انهيار العملة الوطنية اللبنانية أمام العملات الأجنبية، والحديث عن إمكانية معالجة الانهيار المالي الذي تتعرض له البلاد .

تحدثت المصادر اللبنانية وبعض التصريحات والبيانات السياسية في بيروت، عن أن الاتفاق الذي جاء لمصلحة لبنان، أشعل حربا بين القوى والأحزاب الاسرائيلية على خلفية الاتفاق مع المفاوض اللبناني.

لكن وبعد أن “جاءت الفكرة وذهبت السكرة”، برزت خلافات حادة بين التفسيرات الداخلية اللبنانية للاتفاق مع تل أبيب، وإذا كانت السلطات الرسمية رحبت وهللت خلال الأيام الماضية لاقتراب موعد توقيع الاتفاق، أكدت مصادر لبنانية أخرى أن الاتفاق الذي يجري الاعداد له مع تل أبيب، يمنح العدو حقا كاملا بحقل كاريش ويبعد أي تفاوض حول الخط 29 الذي هو بالأصل الحدود البحرية الرسمية بين لبنان وفلسطين، والأسوء من ذلك أن الاتفاق يتحدث عن مبالغ مالية من حقل قانا إلى الحكومة الاسرائيلية.

تل أبيب كانت تراقب مجريات الأحداث، وهي تعلم أن لبنان لا يملك إلا أوراق التنازلات أمام الأطماع الاسرائيلية نظرا للانهيار المالي والاقتصادي الذي يتعرض له، ونظرا لحالة الانقسام والتفكك والضعف الذي يعيشه منذ أكثر من 3 سنوات، وبالتالي باعتقاد تل أبيب أن لبنان لا يملك أوراق القوة على طاولة المفاوضات لترسيم الحدود البحرية في المناطق المتنازع عليها وهو بحاجة ليدفع أي ثمن لاستخراج الغاز من قانا لوقفف الاهنيار المالي والاقتصادي، ولا يملك أوراق القوة العسكرية التي يمكن لها أن تهدد أمن هذا الكيان المعادي، لأن الدولة التي لا تستطيع أن تنقذ شعبها من حالة الانهيار المالي والجوع والغرق في البحار، وتعيش حالة انقسام ولا تتمكن من تشكيل حكومة أو انتخاب رئيس لا يمكن لها أن تخوض حربا مع عدو غاصب كالكيان الصهيوني.

وبالتالي، وحسب القناعات الصهيونية، وطبيعتها الاستفزازية والتسويفية، فإن لبنان يتمكن من تحقيق أهدافه ، ومن تنازل عن خط 29 وحقل كاريش لأسباب اقتصادية أو مالية أو غيرها، وكان على عجلة من استخرج الغاز من حقل قانا حتى لو تمكن العدو من نيل بعض المردودات المالية من الحقل يمكن له تقديم المزيد من التنازلات أمام تعنت القوة وسياسة التسويف والمماطلة كما فعلت تل أبيب على غير مسار عربي، والتاريخ شاهد.

وبالتالي ظهر العدو هادئا باردا، ليس على عجلة من أمره لتوقيع الاتفاق مع لبنان، رفع من سقف خلافاته الداخلية إعلاميا بين لابيد ونتنياهو لتكون سببا للتأجيل والتعنت والتسويف .

وأمام هذا الواقع من المتوقع أن يسلم الوسيط الاميركي آموس هوكشتين إلى نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الملاحظات الاسرائيلية الخطية على اقتراحه التي سبق وارسلها إلى بيروت، ما يؤكد أن التفاوض بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي مستمر وانتقل من مرحلة المفاوضات السياسية الى مرحلة درس المفردات القانونية والتقنية في اجواء هادئة بعيدة عن التشنج، وهذا يعني أن بيروت وتل أبيب أمام جولات أخرى من المفاوضات يستفيد منها العدو بجر لبنان إلى المفاوضات (غير المباشرة)، كخطوات يخطط العدو لتكون حلقات متواصلة توصل بالنهاية إلى مفاوضات مباشرة في مواقع أخرى، ولا ندري ماذا يخبئ العدو خلال الأيام أو الأشهر أو السنوات القادمة.

وبعد تنازل لبنان عن خط 29 وحقل كاريش، ربما يعمل العدو على تسهيل التنقيب اللبناني لاستخرج الغاز من حقل قانا وتكون المفاوضات على نسبة أرباح العدو من هذا الحقل، وجر لبنان إلى طاولات المفاوضات غير المباشرة لتصبح تقليدا متفق عليه لمعالجة كل قضايا الصراع بينهما، وأيضا التأكيد للبنان في ظل الخلافات الداخلية القائمة أن الصراع مع الاحتلال يمكن معالجته على طاولة المفاوضات وبالتالي لا يعد هناك ضرورة لسلاح المقاومة، ما يشعل الصراع الداخلي اللبناني في حلقة لا يريدها إلا الاحتلال.

رئيس مجلس النّواب نبيه بري، أكد تعليقًا على رفض الجانب الإسرائيلي لورقة الملاحظات اللّبنانيّة المقترَحة لتعديل مسودّة اتّفاق ترسيم الحدود البحرية بينهما، أنّ “لبنان لا يتعاطى مع التّسريبات الإعلاميّة، بل مع وقائع يُفترض أن ينقلها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الّذي نحصر اتّصالاتنا به”
وأشار دولة الرئيس، في تصريح، إلى أنّ “الملاحظات اللّبنانيّة بسيطة، وقد نوقشت مع الموفد الأميركي وقبل إرسالها رسميًّا”، لافتًا إلى أنّ ما يحصل الآن هو “مناوشات إسرائيليّة انتخابيّة داخليّة لا تعنينا”.

وأوضح أنّ “لبنان ينتظر ردًّا رسميًّا من هوكشتاين، ليبني على الشّيء مقتضاه”
من جهته، أكد مدير عام الأمن العام، عضو فريق التفاوض اللبناني مع تل أبيب في ملف ترسيم الحدود البحرية، اللواء عباس إبراهيم، أن “لبنان لا يعنيه الجواب الإسرائيلي حيال المقترحات اللبنانية حول اتفاق ترسيم الحدود البحرية”.

وأشار في تصريح لوكالة “سبوتنيك”، الى “اننا ننتظر من الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين أن يتحمل مسؤوليته، وطالما موقف لبنان موحد نحن الأقوى”.

تصريحات القيادات اللبنانية يؤكد أن لبنان مازال وسيبقى يراهن على طاولة المفاوضات للوصول إلى اتفاق مع تل أبيب، لكن القيادات اللبنانية وحتما هي تعلم واستنادا لتجاربها على مر العقود الماضية، أنها أمام عدو ماكر وبوساطة “مفخخة” ليس من السهل إجباره على التنازل عن حقوق الشعوب إلا بالقوة وبالوحدة الوطنية، وتماسك الجبهة الداخلية، فالمفاوضات مع تل أبيب كما في ميادين الصراع والحروب، تتطلب الاستعداد وحشد أوراق القوة ووحدة الجبهة الداخلية.

والمتابع لتطورات الأوضاع وخيوط التفاوض بين تل أبيب وبيروت، ويعمل على ربطها بالتطورات الاقليمية والدولية يعلم جيدا أن لا إمكانية لاشتعال حروب واسعة بين الجانبين اللبناني والصهيوني، وأن تل أبيب وبيروت، ستبقيا على رهان المفاوضات باعتباره السبيل الوحيد لترسيم الحدود البحرية، مهما ارتفع سقف التصريحات والمواقف والبيانات.

المصدر بيروت نيوز