توقف المراقبون لتطورات الأوضاع داخل الكيان الاسرائيلي أمام فوز تكتل الليكود بالانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، ما يعني تكليف بنيامين نتنياهو بالعمل لتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة خلفا لحكومة لبيد.
ويتفق المراقبون على أن عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة في تل أبيب، تشكل مرحلة جديدة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، ومنعطفا جديدا في مسار الصراع والتسوية على المسارات العربية المختلفة ومنها طبعا فلسطين لبنان.
ذلك لأن تكتل الليكود شكل منذ نشأته واحدا من أبرز القوى الصهيونية المتطرفة، استنادا لبرامجه السياسية وتصريحات وبيانات قادته منذ مناحم بيغن واسحق شامير وحتى الآن.
ولما كانت الصهيونية وماتزال هي الأرضية لتكتل ليكود وغيره من الأحزاب الاسرائيلية، بل ويعد الليكود في مقدمة الأحزاب الاسرائيلية التي تريد إخضاع العرب لشروط التسوية استنادا للمصلحة الاسرائيلية، لكن التكتل وغيره من الأحزاب الصهيونية، ليس على استعداد لتقديم أي تنازل جوهر يمس بأمن الكيان الصهيوني من جهة أو يفرط بالحدود التي رسمها منذ نشأت الحركة الصهيونية في بال سويسرا عام 1897.
ويعتبر الليكود موضوع السلام مع العرب من القضايا بالغة الحساسية في الحياة السياسية الاسرائيلية ولقد استند طوال تاريخه في التعامل مع السلام مع العرب على مقولة “أرض إسرائيل الكاملة” كما استند على الأرض والسلام ومنع الحرب واستيعاب المهاجرين اليهود من بقاع الأرض. حتى أن سياسة الليكود، المتبعة تهدف لدفع عملية السلام مع العرب والعمل على تطوير العلاقات الودية بين تل أبيب والدول التي تسعى لتحقيق السلام.
وجاء في البرنامج السياسي لتكتل ليكود التي يتزعمه اليوم بنيامين نتنياهو والذي فاز في الانتخابات معبرا تعبيرا جليا عن موقف هذه الكتلة، وجاء في نص أحد البرامج السياسية لتكتل ليكود.
“إن حق الشعب اليهودي في أرض “إسرائيل” كلها، هو حق أبدي وغير قابل للنقض والاعتراض، وهو مرتبط بحق إسرائيل” وسلامتها، لذا فإن الضفة الغربية لن تعاد إلى أي حكم أجنبي”.
وجاء في البرنامج السياسي لتكتل الليكود”إن أية خطة تفضي إلى التنازل عن أي جزء من الضفة الغربية التب هي جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل” المتكاملة وهي السياسة التي بدأت تنفيذها قولا وفعلا خلال وجودها في السلطة ” .
أما القدس الكاملة حسب سياسة الليكود، فهي عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل.
ورغم ذلك فان الليكود اضطر للموافقة على مشاركة تل أبيب في مشاريع التسوية والمفاوضات مع العرب، لكنه اختار اسلوب المراوغة والمماطلة والتهرب من مناقشة مسائل الصراع الجوهرية وفي مقدمتها الانسحاب الكامل من الأراضي العربية التي احتلت عام وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين استنادا لقرارات الشرعية الدولية.
وفي الاطار، تكتل الليكود يرفض بشكل مطلق الانسحاب من الضفة الغربية وغزة، ويرفض الانسحاب من هضبة الجولان السورية، وعودة اللاجئين الفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس.
استنادا لتجارب المرحلة الماضية والمفاوضات واتفاقيات التسوية مع الجانب العربي، فقد أكد تكتل الليكود على أنه مع السلام ويريد السلام، ويعمل من أجل السلام، لكنه يريد السلام استنادا لمواقفه وسياسته وبرامج عمله، ويريد السلام مع العرب بما يضمن إخضاع العرب للشروط الاسرائيلية القائمة، فتح السفارات وتطبيع العلاقات وحدود آمنة للكيان وعدم الانسحاب من الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة، وضمان هزالة البنية العربية وهشاشتها وتفككها.
وفي الوقت الذي يعمل فيه الليكود من أجل السلام مع العرب، بما يضمن إخضاعهم واستسلامهم، فهو يعمل أيضا من أجل تعزيز سياسيته وبنيته العسكرية وتفوقه الاستراتيجي، واستيعاب موجات المهاجرين اليهود، وعدم السماح لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم التي أبعدوا عنها عام 1948 أو إلى الضفة وغزة.
فتكتل الليكود وهو اليوم بزعامة نتنياهو يريد السلام، وينادي بالسلام وعلى استعداد للجلوس على طاولة المفاوضات مع العرب عامة والفلسطينيين خاصة، ولكن بما يضمن له إخضاع العرب لشروطه وسياسته وتحقيق مصالحه العدوانية.
وما لفت الانتباه أيضا هو ما تردد في بيروت والقلق من أن يعمل نتنياهو على إلغاء إتفاق ترسيم الحدود البحرية التي اعتبرها لبنان انتصارا استراتيجيا سيخفف من أزمته الاقتصادية ويمنع الانهيار المالي الذي يتعرض له.
وهنا لابد من التأكيد على أن إطلاق الليكود بقيادة بنيامين نتنياهو شعارات عن استعداده لإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، هي مجرد خطابات وتصريحات انتخابية أراد نتنياهو منها مخاطبة المجتمع الصهيوني المتطرف لكسب تأييده في حملته الانتخابية، لكن ليس من المتوقع أبدا أن يعمل نتنياهو على إلغاء الاتفاقية ليس خوفا من الحرب، بل لأن نتنياهو لديه من القدرة على التسويف والمراوغة والمماطلة بما يجعله متمسكا بالاتفاقية لكن سيعمل بأساليب مختلفة لتحسين شروطه في الاتفاقية، وسيعمل نتنياهو خلال وجوده على رأس السلطة في تل أبيب على ابتزاز الجانب اللبناني، ليكسب المزيد مما ناله لبيد.
لذلك، ورغم التطرف والعنصرية والعدوانية التي يتميز بها تكتل الليكود، إلا أنه دائما يدعو إلى السلام والتسوية والمفاوضات مع العرب، لكنه دائما يعمل لتحقيق الاهداف الصهيونية الاستراتيجية أمام تقديم الفتات للجانب العربي، لذلك ليس من المتوقع أن يشهد المسار اللبناني أو اتفاقية ترسيم الحدود البحرية إي إلغاء رغم كل التهديدات، بل سيستمر نتنياهو بهذه الاتفاقية، متبعا سياسة الابتزاز والمماطلة.
أما الجانب الفلسطيني وهو الحلقة الأضعف في ميادين التسوية والصراع، فسيعمل نتنياهو على زيادة الشرخ والانقسام والتحريض بين الفصائل الفلسطينية، وسيعمل على تصعيد عدوانه في الضفة وغزة، وسيستمر في سياسته الابتزازية مع السلطة الفلسطينية.