هل خسر “حزب الله” موقع رئاسة الجمهورية؟

7 نوفمبر 2022
هل خسر “حزب الله” موقع رئاسة الجمهورية؟
 جورج حايك
جورج حايك

بلغ “حزب الله” ذروة نفوذه وهيمنته بعد نيله الأكثرية النيابية عام 2018، وهذا الاستحقاق كان مكمّلاً لانتصاره في الملف الرئاسي عندما فرض انتخاب ميشال عون رئيساً عام 2016، وحتماً بعد الاستحقاقين الدستوريين بات قادراً على التحكّم بالحكومة لتكون محسوبة عليه، وهذا ما جعل ايران تتباهى بأنها أصبحت تسيطر على أربع عواصم عربية هي: دمشق وبغداد وصنعاء وبيروت!.

طبعاً، من وجهة نظر محور الممانعة والمقاومة يُعتبر هذا الأمر ايجابياً بل انتصار كبير، فأولويات هذا المحور وأدواته مثل “الحرس الثوري” و”حزب الله” و”الحوثيون” و”حماس” و”الحشد الشعبي العراقي” ليست اقتصادية وانمائية واجتماعية وعلميّة، إنما الهدف هو تحقيق المشروع الايراني، ولو أدى إلى حروب وتدمير وانهيارات اقتصادية، وهو النظرية السياسية – الدينية التي تعني الولاية العامة للفقيه في إدارة شؤون الأمة نيابة عن الامام الغائب، وفقاً لمعتقدات الطائفة الشيعية الاثني عشرية.

هذا المشروع الإيراني مشروع توسعي استيطاني إحلالي طائفي، مع مزيج من مشروع فوضوي في المنطقة يهدف إلى السيطرة والنفوذ والتوسع على أكبر قدر ممكن من الجغرافيا والثروات، والتحكم في معتقدات الناس الدينية وتبديلها في المنطقة العربية، وجمع أكبر قدر من أوراق القوة في مواجهة الغرب أو أقلها لتحسين شروط التفاوض وتقاسم النفوذ و”الكعكة” مع المشاريع المتصارعة في المنطقة، على حساب الدول والشعوب العربية، فهذا المشروع في النهاية لا يقل خطورة عن المشروع الصهيوني في المنطقة من كل الجوانب.

واللافت أن ايران استخدمت نظرية الولي الفقيه كوسيلة دينية للسيطرة على كل منطقة عربية توجد فيها أقلية شيعية في المناطق العربية، ويعلن “حزب الله” في لبنان صراحة أنه امتداد لمشروع الولي الفقيه الايراني وأنه تابع له وجزء منه، وأن الولاء هو ولاء سياسي وديني للجمهورية الايرانية وللولي الفقيه.

قد يكون مفهوماً ومنطقياً أن تتبع الأقليات الشيعية في المنطقة هذا المشروع، نظراً إلى الدعم المالي والعسكري الذي تتلقاه من إيران، لكن ما ليس مفهوماً ومنطقياً، انجذاب بعض المجموعات الدينية والمذهبية غير الشيعية الى هذا المشروع، ولا شيء يفسّر دعمها له سوى أهدافها ومصالحها التي تتناقض مع مصالح شعوبها وأوطانها، وأبرز الأمثلة على ذلك: “حماس” في فلسطين و”العونيون” في لبنان وحزب “البعث” في سوريا…

من هنا بدأت العلاقة بين “التيار الوطني الحر” الذي انبثق من الحالة العونية و”حزب الله”، فهذه العلاقة التي ترجمت بتفاهم مار مخايل عام 2006، استثمرها “الحزب” كثيراً في مشروعه، إذ شكّلت الغطاء المسيحي لسلاحه ودويلته، ودعم رئيس “التيار” ميشال عون آنذاك للوصول إلى رئاسة الجمهورية والافادة من جنّة السلطة، فسيطرا على المجلس النيابي منذ العام 2018 وشكلا الحكومات التي تحكما بها، فكان “حزب الله” يعطي صك براءة لكل الارتكابات التي كان يمارسها رئيس “التيار” الحالي جبران باسيل وخصوصاً الافادة من وزارة الطاقة وملف الكهرباء، والاخفاقات المتتالية حتى أصبح لبنان “صفر” كهرباء، بل أكثر من ذلك قام باسيل بصفقات لا تُحصى خلال هذا العهد، فيما كان “الحزب” يستفيد من تبني عون لخطابه السياسي، وراح يروّج له في المنابر الدولية، والتزم الصمت في كل مرة كان يطل الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله ليهاجم السعودية ودول الخليج، وبالتالي نتج عن هذا الأداء عزل لبنان عن الخارج، وتدريجياً توقّف الدعم المالي والخليجي له فانهار اقتصادياً واجتماعياً على كل الصعد، ويعرف كل الشعب اللبناني أن الوضع الذي وصل لبنان اليه يتحمّل مسؤوليته “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” بالتكافل والتضامن.

عانى الشعب خلال هذا العهد من الفقر والذل والعوز، ثار وضُرِبَ وسقط ضحايا وشهداء وحصل أكبر انفجار غير نووي في بيروت، وبقي “حزب الله” يُكابر ويمنع القضاء من ممارسة واجباته، فكان من البديهي أن لا تكون نتائج الانتخابات النيابية 2022 لمصلحته، لكن بفضل القوة والسطوة على شارعه الشيعي تمكّن من حفظ ماء الوجه بـ27 نائباً بالتحالف مع حركة “أمل”، ومدّ يد العون لحليفه باسيل الذي جمع 17 نائباً، مع ذلك لم يستطع الاحتفاظ بالأكثرية، وعرف “الحزب” منذ ذاك الوقت أن الملف الرئاسي يستوجب منه بعض التراجع، ولديه مرشحان جبران باسيل ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، يبدو عاجزاً عن التوفيق بينهما وبات شبه مستحيل وصولهما إلى قصر بعبدا. ربما النقطة الوحيدة التي تصب في مصلحة “الحزب” هي عدم وجود أكثرية لدى المعارضة المشرذمة أيضاً، مما مكّنه من الاحتفاظ بحق الفيتو ومنع وصول رئيس معادٍ لمحور الممانعة أو على الأقل عرقلة الانتخابات ومدّ أمد الشغور الرئاسي لاعباً على عنصر “الوقت” ليطوّع خصومه.

أصبح “الحزب” في مرحلة جديدة، لكن بات مدركاً أن حلم ميشال عون لن يتكرر، ولن يستطيع ايصال أي رئيس مخلص له ولسلاحه مثل عون، على الرغم من أن هذا السلاح لم يعد “يقاوم” إسرائيل وخصوصاً بعد اتفاق ترسيم الحدود، بل يعقد معها “صفقات” ويُستخدم فقط للتسلط على اللبنانيين وقمعهم ولقتل السوريين والعراقيين واليمنيين!.

لن يتمكّن “حزب الله” بعد اليوم من أخد أي تعهد كما أخذ من عون عشية انتخابه رئيساً أهمها وقوفه مع الحزب في الصراع في وجه إسرائيل ودول الخليج، إضافة الى تعزيز وثيقة التفاهم الموقعة مع “الحزب” والتي كان يفترض أن تشكل مشروعاً في الحكم، وأن لا يعوق مشروعه للسيطرة على لبنان كموقع للنفوذ الايراني على المتوسّط.

أمّن عون وباسيل لـ “الحزب” كلّ ما يحتاج إليه، أو على الأصحّ كلّ ما كان يسعى إليه من دون أيّ سؤال من أيّ نوع وذلك منذ توقيع تفاهم مار مخايل. وخلال العهد الرئاسي نجح عون وباسيل في كلّ الفحوص التي أُخضعا لها.

لن يجد “حزب الله” رئيساً للجمهوريّة مثل ميشال عون يذهب إلى روما والفاتيكان ليقول: “مقاومة الاحتلال ليست إرهاباً، وليس لحزب الله المكوّن من لبنانيين وحرّر الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي أيّ تأثير على الواقع الأمني الداخلي للّبنانيين”.

من جهة أخرى، لا بد من الإقرار بأن “حزب الله” خسر ورقة رئاسة الجمهورية أو أنه يساوم عليها للتخفيف من الخسارة، وذلك للاعتبارات التالية:

أولاً، يُدرك “الحزب” أنّ أي مرشح مقرّب من دمشق وموسكو أصبحت حظوظه معدومة بعد الحرب الروسية على أوكرانيا والاشتباك الروسي – الأوروبي، فضلاً عن الخلاف الأميركي – الروسي.

ثانياً، يُدرك أنّ خسارته للأكثرية النيابية أفقدته القدرة على انتخاب رئيس من صفوفه، وأنّ التعددية البرلمانية تفرض عليه البحث عن خيار رئاسي ثالث.

ثالثاً، يُدرك أنّ الفراغ الرئاسي سيرفع من منسوب حدة الاشتباك حول سلاحه ودوره على وقع أزمة مالية تحمِّل فيها الناس منظومة الحزب ما آلت إليه أوضاعها، وبالتالي من مصلحته حرف الأنظار عن سلاحه بانتخابات رئاسية تعيد التركيز على السلطة وإنتاجها؛ لذلك لن يستمر طويلاً في لعبة التعطيل.

انطلاقاً من هذه المعطيات كلّها وغيرها، ولأنّ مصلحة “حزب الله” الأساسية الحفاظ على سلاحه وإبعاد ما أمكن الضغط عن هذا السلاح وحرف الأنظار عن مصادرته للقرار الاستراتيجي، كما من مصلحته توجيه رسالة إلى الخارج وبعض الداخل بأنّه مع رئيس توافقي خلافاً لقوى أخرى تطالب برئيس سيادي وإصلاحي، فمن المتوقّع أن يندفع باتجاه تبني ترشيحات يتقاطع فيها مع كتل نيابية أخرى، أو أن يدفع الأوضاع على الأرض باتجاه تسريع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولو كان رئيساً حيادياً!

المصدر لبنان الكبير