ليس مستغربا أن يستمر الاحتلال الاسرائيلي في عدوانه على الشعب الفلسطيني، ويواصل خطواته العدوانية من أجل تحقيق أبرز أهدافه وفي مقدمتها اليوم تصفية القضية الوطنية الفلسطينية وتحويل القضية إلى قضية إنسانية لشعب يبحث عن لقمة عيش، ومن ثم تحويل الصراع إلى خلافات آنية وميدانية محددة .
وليس مستغربا أن يعمل هذا العدو على تصعيد اقتحاماته وعمليات القتل والاعتقال ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وتدنيس المقدسات، فهي سياسته المعروفة من الأيام الأولى للإحتلال ضاربا بعرض الحائط جميع القوانين والأعراف الدولية، وليس على استعداد لتنفيذ بنود الاتفاقيات الموقعة مع السلطات الرسمية، لكن ما هو مستغرب أن تستمر سياسة المراهنة على خيار “السلام” مع هذا العدو باعتباره خيارا استراتيجيا، ليس لأن “السلام” سيؤدي إلى حالة الاستسلام والتنازل عن الحقوق فحسب، بل أن الأنظمة والسلطات العربية والكثير من الفصائل والأحزاب والقوى العربية سارعت لبناء كادرتها وثقافاتها وبنيتها وبرامج عملها على أساس “السلام”، وبالتالي فهي لم تعد معنية بميادين الصراع، ولم تعد بحاجة لبناء القدرات وحشد الطاقات، بل سيطر عليها التراخي والضعف والوهن، وتفككت الدول وتثدعت المجتمعات واخترقت بكل أنواع الفساد والمفسدين، والمافيات والمهربين والتجار والمنتفعين.
وبذلك، دفع العرب، كل العرب في مسار “السلام” أكثر مما دفع في ميادين القتال، واستطاع العدو بذلك التقدم خطوات نحو تحقيق أهدافه واستمرار وتصعيد عدوانه .
وهذا يعني أن السياسيات التي اتبعت خلال العقود الماضية والمراهنة على خيار”السلام” أدت إلى تعزيز بنية الاحتلال وتصعيد عدوانه وقدراته، وأدت إلى ضعف وتفكيك وانقسام وترهل الدول العربية فرادا وجماعات، وأصابت القوى والتيارات السياسية حالة من التراجع والضعف وعمت سياسة الانقسام والانشقاق والاغتيال، ما جعل وضعها مزريا لا يمكن لها أن تحمي شعبها من تجار المخدرات أو أن تتمكن من معالجة قضايا الشعب المعيشية، وبالتالي فواقع الحال يدعو لوقفة تقييم، ودراسة وتدقيق وبحث والعمل من أجل استعادة الحقوق الوطنية والانسانية والمحافظة على الكرامة الوطنية ولا حياة بدون ذلك فالجميع اليوم في مركب آيل للغرق.
وهذا يتطلب من الشعب حراكا منظما وفاعلا واعيا وهادفا، بعيدا عن الفوضى والارتجال.
وعلى بقايا القوى الحية في هذا الشعب، أحزاب وتيارات سياسية وأطر واتحادات نقابية وثقافية وشعبية العمل من أجل استعادة دورها وتعزيز قدراتها وتنظيم صفوفها وحشد طاقاتها في ميادين المواجهة وتصعيد ميادين الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي، وميادين الدفاع عن حقوق الشعب في حياة حرة كريمة بعيدا عن الذل والفقر والعوز وقوارب الموت والمخدرات والفوضى.
لقد أثبتت العقود الماضية وتجارب المراحل السابقة وسياسة التعنت والعدوان والاقتحام والقتل والتدمير ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات المستمرة، أن هذا العدو لا يريد السلام ولا يعمل من أجل السلام، وعلى العرب أن يتبعوا أساليب أخرى لمواجهة العدو، والنضال والانخراط في ميادين القتال من أجل ردعه وهزيمته وتحرير الأرض.