هوية العمل وأزمة النجاح

26 مايو 2023
هوية العمل وأزمة النجاح
بقلم علي جيرو
بقلم علي جيرو

هوية العمل هي نوع العمل الذي يختص فيه الشخص وغالباً ما يكون هذا الاختصاص مدعوم بشهادة جامعية أو ذو خلفية أكاديمية، لكن تأطير الجامعات للاختصاصات جعل من غير الممكن تغطية الجامعات المروحة الواسعة التي فرضها سوق العمل في الالفية الثالثة.

في ظل التغيرات الحاصلة في سوق العمل منذ ثورة الانترنت في مطلع الالفية الثالثة، عانت الوظائف الكثير من التقلبات والتغيرات نتيجة التحولات الحاصلة في سوق العمل وفي المعروض من الاعمال، ليس على المستوى المحلي وإنما على المستوى الدولي، وقد لعبت الاختصاصات الجامعية دوراً كبيراً في قولبة هوية العمل تجاه موضوعات معينة دون سواها، إلا أن سوق العمل الحالي والفرص المتاحة أوقع الجامعات في حيرة من أمرها نتيجة عدم قدرة الجامعات على تلبية فرص العمل المعروضة، لكن السؤال المطروح هنا. ما هو السبب الكامن وراء هذه الفجوة في سوق العمل بين التخصصات الجامعية والأعمال المطلوبة؟

في الحقيقة هناك عدة أسباب وراء هذا الأمر. الأول هو ظهور فرص عمل جديدة وأكثر تخصصية، وكان الانترنت مادتها الأساسية، والارضية التي ظهرت عليها هذه الأعمال، ولم تكن الجامعات لتواكب التطور الحاصل في سوق العمل، نتيجة البيروقراطية وأغلب الجامعات تتبع أجهزة حكومية فهي بحاجة إلى كثير من المعاملات والإجراءات لفتح اختصاصات جديدة، فضلاً عن عدم جدية القائمون على العملية التربوية في التعاطي مع التغير الحاصل.

لكن على المقلب الآخر سعت الجامعات الخاصة إلى تلقف هذه الفرصة وخلق قنوات لتخريج أجيال جديدة قادرة على الوفاء بمتطلبات سوق العمل من الأعمال التي يحتاجها سوق العمل، كذلك الأمر افسح المجال للدورات وورشات العمل التي تعمل على تلبية سوق العمل بالكفاءات المطلوبة.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن هذا الخلل في سوق العمل في الفرص بين المعروض والمطلوب أوجد نوع من ضياع هوية العمل، الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على أجيال من الشباب بسبب عدم ثباتهم على نمط عمل واحد فنرى شاب قد درس لغة عربية ويتنقل بين اعمال مختلفة دون أن يكون على قدر من الاحترافية في أحد منها، فعلى سبيل المثال: شخص درس إعلام، نراه يعمل في مجالات مختلفة من تسجيل صوتي(voice over ) أو المونتاج، والتحرير الصحفي، والتدقيق اللغوي فضلاً عن إدارة مؤسسة إعلامية، دون ان يكون ضليعاً بشكلٍ كافٍ في أي من هذه الأعمال، وغالباً ما يحتاج إلى أشخاص آخرين من أجل مراجعة والتدقيق في الاعمال المنجزة.

في ظل هذه الأوضاع لم يكن لهذا الشخص باع طويل في أي من الاعمال التي ينجزها، وإن انجزها تكن على حساب الاعمال الأخرى، من حيث الجودة والوقت، وقس على ذلك في الاعمال المختلفة، مما يوقع سوق العمل بشكلٍ عام في انخفاض جودة الاعمال المنتجة، نتيجة فقدان هوية العمل والمرتبطة بالكفاءة.

في المحصلة في ظل غياب هوية العمل الواضحة يبقى الطريق إلى النجاح بعيداً وصعب المنال ويجب على شخص أن يختار هويته في العمل بشكل دقيق، وأن يطبق هذه المقولة: “أن تعرف شيء عن كل شيء وكل شيء عن شيء”، وإن غياب هوية العمل يجعل الشخص يفقد البوصلة في الوصول إلى هدفه مهما كان قريباً منه.

المصدر بيروت نيوز