في إطار سعيه الدائم لضمان تدفق مالي واستثماري، من أجل إنعاش اقتصاد بلاده الذي يعاني تضخما وانهيارا في عملته الوطنية، كانت جولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى دول الخليج العربي تحديدا السعودية والإمارات وقطر منعطفا مهما في السياسة الخارجية التركية، وبالطبع لها تأثير كبير على الاقتصاد التركي، وخصوصا أنه تم توقيع اتفاقيات استثمارية ودفاعية خلال الجولة بأكثر من 100 مليار دولار ووعود محمد بن سلمان باستثمارات اقتصادية في تركيا بتريليونات الدولارات.
وقد ركزت الجولة على الاستثمار والتمويل، على أمل إنعاش الاقتصاد التركي الذي يئن تحت وطأة تراجع قيمة الليرة وعجز كبير على عدة أصعدة، وزيادة حادة في التضخم التي أصبحت المشكلة المزمنة في البلاد.
والجدير أيضا ان الرئيس اردوغان، خلال جولته، أهدى سيارة توغ الكهربائية التركية إلى ولي عهد السعودية محمد بن سلمان وإلى أمير قطر تميم بن حمد وإلى الرئيس الإماراتي، وتعد هذه الخطوة ذات دلالات كبيرة وأهمية في الترويج لهذه السيارة التي لها مستقبل كبير في عالم السيارات الحديثة.
واذا دخلنا بحجم الاستثمارات والاتفاقيات الموقعة بين تركيا والدول الخليجية الثلاث فهو 100 مليار دولار أمريكي استثمار مباشر نتيجة هذه الزيارة فقط ولم نتكلم بعد عن الاستثمارات القادمة والمتوقعة وهذا الرقم هو بالفعل كبير ولمعرفة أهميته، يمكن القول أن في عام 2022 كان حجم الصادرات التركية الى الخارج 254 مليار دولار بينما كان حجم الواردات 364 مليار دولار مع العلم ان أغلب ما تستورده تركيا هو في مجال الطاقة وبذلك يكون عجز الميزان التجاري التركي هو 110 مليار دولار سنويا.
فيما وقع الطرفين السعودي والتركي ثلاث مذكرات تعاون في مجالات الطاقة والاستثمار المباشر والتعاون الإعلامي، وخطة تنفيذية للتعاونِ في مجالات القدرات والصناعات الدفاعية والأبحاث والتطوير وعقدين مع شركة “بايكار للتكنولوجيا” للصناعات الدفاعية والجوية، لا سيما الطائرات المسيّرة.
وكتب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان على تويتر أنه وقع “عقدي استحواذ بين وزارة الدفاع وشركة بايكار التركية للصناعات الدفاعية، تستحوذ بموجبهما وزارة الدفاع على طائرات مسيَّرة؛ بهدف رفع جاهزية القوات المسلحة، وتعزيز قدرات المملكة الدفاعية والتصنيعية”.
ولم يحدد الوزير عدد المسيّرات أو نوعها التي ستحصل عليها السعودية بموجب هذه الصفقة ولا موعد تسلّمها.
بدوره، تحدث خلوق بيرقدار مدير شركة بايكار على تويتر عن توقيع “أكبر عقد تصدير دفاعي وفي مجال الطيران في تاريخ الجمهورية التركية” مع وزارة الدفاع السعودية، بدون أن يفصح عن كلفة الصفقة.
وأوضح دبلوماسي عربي في الرياض أن “السعودية كانت ترغب في شراء مسيّرات تركية من نوع ‘تي بي 2’ تحديدا”.
وأثبت طراز “تي بي 2” من المسيّرة بيرقدار التي تنتجها شركة “بايكار” فاعليته في ليبيا وأذربيجان ومن ثم في أوكرانيا حيث استُخدم بعيد بدء الغزو الروسي العام الماضي. وأحد صهرَي الرئيس التركي مدير شريك في الشركة.
والشهر الماضي، عززت الكويت دفاعات جيشها عبر شراء مسيّرات من طراز “بيرقدار تي بي 2” في صفقة بلغت قيمتها 367 مليون دولار.
إلى جانب الاستثمارات، تسعى تركيا إلى رفع مستوى التبادل التجاري مع منطقة الخليج. فرغم المكانة الاقتصادية المهمة التي تتمتع بها تركيا ودول الخليج، إلا أن حجم التبادل التجاري بين الطرفين لا يزال متواضعاً نسبياً.
ووصل حجم التبادل التجاري بين تركيا والسعودية العام الماضي 6 مليارات دولار. وهدف تركيا هو رفع هذا الحجم إلى 10 مليارات على المدى القريب و30 مليارا على المدى الطويل.
بالنسبة لقطر، يبلغ حجم التبادل التجاري حالياً 2.2 مليار دولار. والهدف هو زيادة هذا الحجم إلى 5 مليارات دولار.
وفيما يتعلق بالإمارات، فهي بالفعل أكبر شريك تجاري لتركيا في الخليج حيث يبلغ حجم التبادل التجاري حالياً 10 مليارات دولار، لكن البلدين يسعيان إلى رفعه لمستويات أعلى. وفي حال نجح اردوغان في تحقيق الأهداف الاقتصادية التي وضعها في جولته الخليجية، فإن الاستثمارات الخليجية الموعودة ستمنحه دفعة قوية لإنجاح سياسته الاقتصادية الجديدة.
ولا يقل الاهتمام الخليجي برفع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع تركيا عن اهتمام اردوغان.
فالاقتصاد التركي من بين أحد أقوى الأسواق الناشئة في العالم والاستثمار فيه يُساهم في تعزيز التكامل الاقتصادي بين الخليج وتركيا.
في الواقع، عكست جولة اردوغان الخليجية أمرين مُهمين، الأول الرهانات المرتفعة التي يضعها على العلاقات الجديدة مع منطقة الخليج لمواجهة الاضطرابات الاقتصادية التي تُمثل أكبر تحد له في ولايته الرئاسية الجديدة، والثاني الكيفية التي عمل بها الاقتصاد في إعادة تشكيل العلاقات السياسية بين أنقرة وخصومها الخليجيين السابقين.
وتعمل الرياض وأبو ظبي بشكل متزايد على استثمار قوتهما الاقتصادية الناعمة لدفع اردوغان إلى التخلي عن سياسته الإقليمية السابقة والتركيز على المنافع التي سيجنيها من وراء العلاقة الجيدة معهما لا سيما في المجالات الاقتصادية والتجارية.
ومع ذلك، فإن الاقتصاد لم يكن سوى أحد الدوافع التي أدت إلى هذا التحول في العلاقات التركية الخليجية خلال العامين الأخيرين.