للمرة السادسة منذ عملية “طوفان الأقصى” البطولية في 7 أكتوبر تشرين الأول الماضي، زار وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن عدد من العواصم العربية وكيان الاحتلال الاسرائيلي.
وبالتزامن مع جولة الوزير الأمريكي واستكمالا لأهداف الجولة، زار المبعوث الأمريكي آموس هوكشتاين بيروت وتل أبيب في مساعي جديد للحديث عن حلول مرتقبة وإمكانية ترسيم الحدود البرية وتطبيق القرارات الدولية وذلك بهدف ضبط الوضع العسكري بين حزب الله والجيش الاسرائيلي.
وقد أثارت هذه الزيارات المكوكية موجة من التساؤلات والتحليلات : ما هي أهداف الزيارة؟ وما هي أبعادها ونتائجها، وانعكاساتها على مسار الأحداث في المنطقة مع تصاعد حرب الابادة التي ينفذها الجيش الاسرائيلي في قطاع غزة، وتصاعد العمليات والاستهدافات العسكرية في جنوب لبنان والبحر الأحمر وسوريا والعراق، وبالتالي ماذا تريد الولايات المتحدة من دول المنطقة؟
الزيارات المكوكية لوزير الخارجية الأمريكي لعواصم المنطقة وتل أبيب ليست عبثية، ولا تعني أن أطراف معسكر العدو لا تعرف ماذا تريد وما هي أهدافها، ولكن قبل البحث في كل ذلك هناك ضرورة للتوقف أمام نقطتين أساسيتين:
الأولى: أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست هي حليف الكيان الصهيوني وتدعم عدوانه وحروب الابادة التي ينفذها فحسب، بل إن الولايات المتحدة تقف في خندق العداء للعرب عامة والفلسطينيين خاصة، وهي طرف رئيسي في معسكر الاعداء، وبالتالي فإن الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية لا يختلف كثيرا عن الصراع الكيان الاسرائيلي.
الثانية: أن الإدارة الأمريكية قدمت للكيان الاسرائيلي خاصة بعد عملية “طوفان الأقصى” كل الدعم العسكري والاقتصادي والدبلوماسي لإنقاذ الكيان والمحافظة على وجوده وتفوقه.
بالتالي فإن واشنطن طرف رئيسي في المعركة وفي حرب الابادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في القطاع.
فالولايات المتحدة الأمريكية هي عدو رئيسي، ولا تتحرك الادارة الأمريكية عسكريا ودبلوماسيا واقتصاديا إلا وفقا لمصالحها ومصالح العدو الاسرائيلي، وبالتالي فإن وزير الخارجية الأمريكية وأيضا هوكشتاين والسياسة الأمريكية عامة تتحرك بهدف تحقيق أهدافها والأهداف الاسرائيلية.
وبالتالي، فإن زيارة الوزير الأمريكي وأيضا زيارة هوكشتاين، للمنطقة هي من أجل إنقاذ الكيان والمحافظة على المصالح الأمريكية، وسحق إرادة الشعوب ونضالها من أجل التحرير والحرية والتقدم والديمقراطية، وهذه التحركات الأمريكية لا يمكن لها أن تكون لمصلحة الفلسطينيين واللبنانيين والعرب عامة، ولا يمكن أن تكون سعيا من أجل تحقيق السلام العادل والشامل وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، كما تعتقد النظم العربية المختلفة، بل إن الزيارات الأمريكية تأتي من أجل تحقيق المصالح الاسرائيلية الأمريكية وسحق إرادة المقاومة وإبادة الشعوب وضمان تخلفها وجهلها وضعفها وتفككها وتشرذمها وتشتت قواها .
إلا أن الإدارة الأمريكية تتبع سياسة الكذب والمكر والخداع في التعاطي مع أنظمة وعقول المنطقة من خلال إظهار نفسها وكأنها راعية وتسعى من أجل تحقيق السلام.
لهذا أطلق أنطوني بلينكن خلال جولاته وعودا كاذبة لا إمكانية لتحقيقها:
= أن الولايات المتحدة تعمل على تحريك المسار الفلسطيني وتسوية القضية استنادا لحل الدولتين.
= تخفيض العمليات العسكرية الاسرائيلية في قطاع غزة وعودة أهالي شمال القطاع إلى منازلهم، وإدخال مساعدات إغاثية وطبية وغذائية، والطلب من الحكومة الاسرائيلية بإرسال المبالغ المالية المحجوزة للسلطة الفلسطينية في رام الله …. وغيرها من الوعود.
= العمل على انسحاب سلطات الاحتلال من تلال كفر شوبا ومزارع شبعا والجزء اللبناني من قرية الغجر .
الموفد الأمريكي يقدم الوعود الوهمية للعرب، ويقدم المساعدات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية للكيان الاسرائيلي، وعود وهمية بهدف:
- منح الحكومة الاسرائيلية المزيد من الوقت لاستمرار حرب الابادة على الشعب الفلسطيني في القطاع، و”تخدير” العقل العربي بوعود وهمية.
- إيجاد انقسام عربي وفلسطيني بين الواهمين والحالمين من جهة وبين التيارات والنخب والقوى التي أصبحت على معرفة بهذا العدو ومخططاته.
فالهدف الأمريكي لا يختلف عن الهدف الاسرائيلي - الابقاء على القوة الاسرائيلية وعدم انهيار الكيان، عسكريا وسياسيا واقتصاديا.
- ضمان نهب الثروة والسيطرة على الأسواق وإقامة القواعد العسكرية.
- سحق قوى المقاومة والمواجهة وحركات التحرر والتقدم في المنطقة.
- ضمان تخلف شعوب المنطقة وضعفها وانقسامها وتشرذمها .
انتصار العدو ليس قدرا، ومن مصلحة الشعوب أفرادا وجماعات أن تعمل على إفشال مخططات العدو الأمريكي الإسرائيلي وحلفائه، وهذا يتطلب وعيا ثوريا لا يقبل الوهم ولا يخضع للوعود الكاذبة، ويتطلب إرادة للمواجهة والقتال في إطار حركة تحرر موحدة وصلبة، ورفع مستوى الوعي بأن هذا عدو ولا يمكن له أن يكون راعيا أو عادلا.
إنها مواجهة شاملة وتحتاح لحشد شامل لمواجهة عدو يمكن هزيمته لكن هزيمته وتحقيق الانتصار لا يتطلب إرادة القتال فحسب، بل تتطلب بناء القدرات السياسية والقانونية والثقافية والاقتصادية. فانتصار العدو ليس قدرا، بل إن انتصار الشعوب الحرة هو الحتمي لكنه يحتاج لأدوات الثورة والنضال والقتال .