اليوم ١٢ نيسان موعد دعوة الهيئات الناخبة من وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي لانتخاب مجالس بلدية ومختارين جدد، المقرر أن تجرى في 12 أيار المقبل، (موعدها بين الشهر والشهرين السابقين لنهاية ولاية المجالس البلدية)، إلا أنه بات بحكم المؤكد تأجيلها للمرة الثالثة على التوالي، تنفيذاً لرغبة قوى الأمر الواقع القابضة على السلطة، الهروب من إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية بعد تأجيل أول في العام 2022 لمدة سنة بحجة تزامن موعدها مع الانتخابات النيابية، ثم إلى تأجيل ثانٍ في العام 2023 بحجة عدم توافر الأموال وفتح الاعتمادات اللازمة بالاضافة إلى عدم جهوزية القوى الأمنية.
كل المؤشرات تدل على أن قرار التأجيل قد إتخذ بين أركان السلطة، ولم يبقَ سوى تظهير المخرج القانوني لعملية التأجيل، بانتظار أن يخرج الرئيس نبيه بري أرنباً من أرانبه، باعتبار أن التأجيل يحتاج الى قانون يصدر عن مجلس النواب. وهذا الموضوع كان مدار بحث الأسبوع الماضي خلال زيارة وزير الداخلية إلى عين التينة ولقائه الرئيس بري، من دون أن يتم الكشف عن “الأرنب” المخرج الذي سيتم إعتماده، ومن هي الكتلة أو النائب الذي سيتقدم باقتراح التأجيل، علماً أن نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب كان تطوّع السنة الماضية باقتراح تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية لمدة 3 أشهر قبل أن يرسو الاقتراح على تأجيل لمدة سنة.
إذا كان سبب التأجيل العام الماضي عدم وجود الموازنة للعملية الانتخابية، فإن هذه الحجة قد إنتفت مع نقل المبلغ الذي كانت قد طالبت به وزارة الداخلية والبلديات في العام 2023 ولم يقر، إلى موازنة العام الحالي، ما يعني تذليل العقبة التي حالت دون إجراء الاستحقاق العام الماضي. لكن، السلطة تتمتع بخيال واسع في إبتكار الحجج وإستنباطها عندما يتفق أركانها (على الرغم من الخلافات العميقة بينهم) للهروب إلى الأمام من إستحقاق ما، وبالتالي القفز فوق موعده، لذلك، فإن التوترات العسكرية على جبهة الجنوب، بعدما قرر “حزب الله” جعلها جبهة “مشاغلة” ستعتبر حجة كافية لتأجيل الاستحقاق البلدي والاختياري، وبالتالي التمادي من دون أي “خجل” وطني، للامعان في نهج “التعطيل”، ما سيزيد من تحلل مؤسسات الدولة، مع فقدان إنتظام عمل المؤسسات الدستورية، الذي بدأ مع الفراغ الرئاسي.
لا أحد ينكر خطورة الأوضاع في الجنوب، وبالتالي إستحالة إجراء الانتخابات البلدية في بعض القرى، لا سيما التي نزح سكانها إلى بلدات مجاورة. لكن هذا لا يعني نسفاً لها بالكامل، فمن الممكن إجراؤها على مرحلتين، الأولى في المناطق البعيدة عن الاشتباكات وتشمل نحو 70% من المجالس، وتُجرى في مناطق الاشتباكات في مرحلة لاحقة بعد عودة الهدوء إليها.
إن اجراء الانتخابات البلدية أكثر من ضرورة وملحة، لأن مجالسها قائمة منذ العام 2016 أي منذ 8 سنوات وقد ترهلت، أضف إلى ذلك هناك 119 بلدية منحلة، وعدد كبير من البلديات يتسلمها المحافظون والقائمقامون. لذلك، من حق المواطنين أن يعبّروا عن رأيهم في انتخابات محلية لا تزال المظهر الوحيد من مظاهر اللامركزية الادارية في لبنان، خصوصاً وأنها السلطة المحلية المنتخبة التي تتمتع باستقلالية بنظامها وادارتها وماليتها وإن بضوابط ووصاية معينة، كي لا يكون ترحيلها سبباً لرفع أصوات المنادين المطالبين باللامركزية الشاملة والصندوق السيادي، في ظل الظروف السياسية الانقسامية، التي باتت أقرب إلى “إستحالة” التعايش التعددي المشترك، الذي إزدياد منسوبه جراء رفض أطراف وفرقاء وخشيتهم من إقحام لبنان في حرب واسعة وشاملة مع العدو الاسرائيلي، وفقاً للأجندة الايرانية، غير قادر على تحمل نتائجها الخارجية.