منذ الثامن من أكتوبر /تشرين الأول العام الماضي وحتى الآن، يشغل بال اللبنانيين تطورات العمليات العسكرية والقصف المتبادل بين المقاومة وجيش الاحتلال الاسرائيلي، وما إذا كانت هذه العمليات ستتوسع لحد حرب شاملة كما جرى في حرب 1982 أو 2006.
وتوزعت التساؤلات بين احتمال اندلاع الحرب أو عدم اندلاعها، ومع كل قذيفة أو غارة لطائرة مسيرة، كانت ترتفع الاحتمالات والتحليلات والأحكام إلى حد كان يتوقع البعض أن الحرب خلال ساعات.
تمضي الأيام وتتصاعد العمليات العسكرية ومازال اللبنانيون يتساءلون .. هل لبنان على أبواب حرب مع الكيان الصهيوني أم لا ؟
لا شك بأن توسيع الحرب الاسرائيلية باتجاه لبنان، والدخول في صراع مفتوح مع حزب الله هي في هذه المرحلة مصلحة صهيونية، بهدف الضغط على لبنان لتنفيذ القرار 1701 وإجبار حزب الله على سحب أسلحته الاستراتيجية من مسافة ما بين 7- 10 كلم من الخط الأزرق، وضمان عودة المستوطنين الاسرائيليين إلى مستوطناتهم.
وبالتالي فإن الأهداف الصهيونية من فتح حرب تدميرية واسعة باتجاه لبنان ليس ارتباطا بقطاع غزة، بل بهدف إضعاف المقاومة في لبنان، وتحقيق الأهداف الأمنية سابقة الذكر وتنفيذ القرار 1701.
بالنسبة للمقاومة في لبنان، أعلن حزب الله أكثر من مرة بشكل صريح وواضح بأن فتح الجبهة الجنوبية مع جيش الاحتلال هي لدعم المقاومة في قطاع غزة ودعم صمود الشعب الفلسطيني في القطاع، وبالتالي “جبهة الجنوب اللبناني هي جبهة إسناد” أي ليست جبهة رئيسية لتحرير الأرض وليست حربا شاملة لدحر الاحتلال، ولا يأتي (كما يلمح الحزب) أن المعركة في جنوب لبنان في إطار فتح الصراع مع الاحتلال، مؤكدا أن حرب الاستنزاف بين المقاومة وجيش الاحتلال الاسرائيلي هي حرب إشغال لهذه العدو.
أما لجهة معسكر العدو، فمن الواضح منذ الثامن من أكتوبر أيضا وبعد عملية طوفان الأقصى البطولية في السابع من أكتوبر، أن القيادة الصهيوني وفي مقدمتها رئيس الحكومة نتنياهو تعيش في مأزق اقتصادي وسياسي وأمني وحالة انقسام وتششقات وانقسامات داخل القيادة والاحزاب الاسرائيلية.
كما أن الجيش الاسرائيلية يعيش حالة إنهاك واستنزاف حقيقية في غزة، وتكبد خسائر ليس سهلة في مواجهة المقاومة الفلسطينية في القطاع.
وتتعرض القيادة الحكومة الاسرائيلية لضغوطات أمريكية أوروبية بعدم توسيع الحرب باتجاه لبنان، والبقاء على الصراع مفتوحا في قطاع غزة لاستشراف مستقبل القطاع ومستقبل المقاومة ومستقبل السلطة ومستقبل القضية الفلسطينية برمتها بعد عملية طوفان الأقصى.
أمام هذا الواقع على جانبي الحدود، فإن السؤال يبقى مطروحا، هل هناك حرب واسعة بين المقاومة في لبنان وجيش الاحتلال؟
من الواضح أن الواقع ورغم تصاعد العمليات العسكرية على جانبي الحدود، أن الحرب مازالت مستبعد لانشغال واستنزاف الجيش الاسرائيلي في قطاع غزة، والضغط الدولي الذي تتعرض له تل أبيب لعدم توسيع الحرب مع لبنان، وأيضا بعد المجازر والعمليات الارهابية التي ارتكبها جيش الاحتلال في قطاع غزة ما جعل الرأي العام العالمي ينهض من كبوته ولو نسبيا على أن العالم أمام قيادة صهيونية مجرمة وأمام جيش احتلال فاشي.
ولكن أيضا من الواضح أن العمليات العسكرية سوف تستمر بين المقاومة في لبنان وجيش العدو، لكن تحت سقف الحرب، فاستمرار حرب الاستنزاف تأتي لمصلحة الطرفين، حزب الله يريدها لاستنزاف جيش العدو واشغال وحداته في الشمال، دعما للمقاومة في القطاع، والجيش الصهيوني يريد استمرار العمليات العسكرية تحت سقف الحرب الواسعة لأنه يريد ردع حزب الله والتصدي والرد على هجماته المؤلمة والتي أدت إلى تهجير أكثر من 80 الف مستوطن من شمال فلسطين.
وحزب الله لا يريدها حربا واسعة إلا في حال فرضت عليه كما قال، وتل أبيب لا تريد الحرب الواسعة اليوم لانشغالها واستنزاف جيشها في قطاع غزة، وبعد اتضاح الرؤيا في غزة طبعا طبعا سيكون المشهد مختلفا، يمكن الحديث حوله في حينه.