إن من الأهمية بمكان أن نميز بين فئة المثقفين وفئة المثقفين الثوريين، وإذا كانت القضية الفلسطينية وقضايا الشعب الفلسطينية عامة تحتاج لمثقفين ثوريين، فلابد من التأكيد أيضا على أن هناك فارق كبير بين المثقف والمثقف الثوري.
المثقف هو كل إنسان متعلم، يقرأ، ويكتب، ينقل ويتحدث، صحفي ناقل للخبر و شاعر يكتب للحب والطبيعة، أما المثقف الثوري فهو المثقف الذي يرى مصلحة شعبه هي الأساس، و لوطنه الولاء ويعمل بشكل دائم من أجل تطوير الظواهر الايجابية في مجتمعه ومقاومة الظواهر السلبية بجرأة وشجاعة وتضحية، ويعمل إحداث وعي ثوري في صفوف الشعب، فليس كل المثقفين ملتزمين بالتغيير الثوري، بل عدد كبير منهم ينتفعون من طبيعة المرحلة ولا يحاولون مواجهتها أو التصدي لها.
من هنا لابد من التأكيد أولا على أن الشعب الفلسطيني داخل وطنهم وفي دول الشتات واللجوء يعيش حياة مأساوية، وظروف قاسية وأوضاع ليس من السهل تحملها، وإذا كان الاحتلال الصهيوني للأرض الفلسطينية، وعمليات القتل والمجازر وحروب الابادة هي أبرز معاناة هذا الشعب الصبور، فإن هناك قضايا أخرى يتعرض لها الفلسطيني داخل وطنه وفي الشتات تشكل خطرا على حياته وبقائه وحياته المعيشية لا يمكن التغافل عنها.
كل تلك القضايا الوطنية والانسانية مجتمعة جعلت الفلسطيني يعيش حياة قاسية لم يعد بالإمكان تحملها، وبالتالي هناك ضرورة للعمل والنضال والثورة من أجل تغيير هذا الواقع من أجل حياة كريمة بعيدا عن القهر والاذلال والفقر والعوز، وهذا العمل لا يقتصر على التمنيات والخطابات والشعارات والمهرجانات، بل هو مشروع ثوري يتطلب خوض ميادين الصراع والمواجهة وتقديم التضحيات، وهنا تقع مسؤولية النخب السياسية والفكرية والنخب الثقافية والاعلاميين.
الشعب الفلسطيني اليوم، كما كان منذ سنوات النكبة الأولى يحتاج إلى حراك ثوري من أجل مواجهة وقتال الاحتلال، وحراك ثوري من أجل تغيير الواقع المتردي داخل الوطن والشتات، وهو يحتاج لنخب ثقافية ثورية هادفة إلى وعي المخاطر ومواجهة الاحتلال وتغيير الواقع ومواجهة ظلمه وقهره، وليس نخب تتقن فن الكتابة ونقل الخبر والمدح والذم، بل مثقفين ثوريين يصنعون ثورة يعملون من أجل رفع مستوى وعي الشعب وترشيده.
الواقع المأساوي الفلسطيني القائم يحتاج لثورة، تنير مسيرتها فئة من المثقفين الثوريين، من أجل دحر الاحتلال وتحرير الأرض وحياة كريمة للشعب (وعي وإنتاج وعمل وكفاح)بعيدا عن حالات اليأس والاحباط.
ولا يفوتنا أن نتذكر الشهداء كمال ناصر وغسان كنفاني وماجد أبو شرار، وناجي العلي، وناجي علوش، معين بسيسو، اسماعيل شموط، وحنا مقبل، د.أنيس صايغ، محمود درويش، ود.عبد الوهاب الكيالي، وغيرهم المئات من المثقفين الثوريين الذين أمضوا سنوات عمرهم في طريق الثورة وكتبوا بالدم لفلسطين.