منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، تاريخ قرار حزب الله بفتح جبهة الجنوب اللبناني مع مواقع الاحتلال الصهيوني، إسنادا للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وتضامنا مع الشعب الفلسطيني في مواجهته لحرب الابادة التي تمارسها القيادة الصهيونية على امتداد الأراضي الفلسطينية، منذ ذلك الوقت وبين يوم وآخر، ومع حدث أو تطور أمني يخرج المحللون والاستراتيجيون والفقاء في علم السياسة والاعلام لإبلاغ الرأي العام أن لبنان على أبواب حرب وعلى فوهة بركان سينفجر خلال ساعات، وبعد الساعات والأيام تتراجع موجة التوقعات والتحليلات وينسى البعض ما كان يقوله بالأمس، لماذا، لأن التحاليل والتوقعات كانت خلال السنة الماضية منذ العملية البطولية في طوفان الأقصى كانت تعتمد على محللين وإعلاميين غارقين الأحلام والأوهام أو منتفعين مما كان يطلق حماسهم من توقعات ليظهر أن الحرب التدميرية الواسعة أصبحت على الأبواب.
وبالتالي لم تكن توقعاتهم تعتمد على واقع الأحداث والواقع الذي يعيشه الكيان الصهيوني، ولا الواقع الذي يعيشه لبنان، والمقصود هنا هو الواقع الاقتصادي والسياسي والأمني والاجتماعي الذي يمر به لبنان ويمر الكيان الصهيوني.
وإذا كان المكان لا يسمح للكثير من التفاصيل، لكن يمكن القول أن حزب الله لم يكن يريد ولا يريد أن تتحول حرب الاسناد أو حرب الاستنزاف مع مواقع العدو لحرب تدميرية واسعة، وأكدت قيادة الحزب أن جبهة الجنوب هي جبهة دعم وإسناد، وبالتالي هي جبهة ثانوية لإسناد وتخفيف الضغط العسكري على الجبهة الرئيسية في قطاع غزة.
تل أبيب وعلى رأسها نتنياهو المتعطش للدم وتصاعد الحرب، هو من يريد الحرب التدميرية على لبنان، لأن وقف الحرب تعني نهايته السياسية وسيبقى يراهن على تحقيق أهدافه من الحرب حتى يخرج منها بإنجازات تجعل منه (المنتحر البطل).
ولكن نتنياهو الغارق في رمال غزة، والجيش المستنزف في القطاع والضفة، والكيان الذي يعيش حالة انهيار اقتصادي وسياسي لا يمكن له أن يذهب لحرب مع حزب الله قبل الانتهاء من عملياته العسكرية في قطاع غزة، ولا يمكن أن يعلن الحرب على لبنان إلا بموافقة وتغطية أمريكية عسكرية وسياسية واقتصادية كاملة، وهذا غير متوفر حتى اللحظة، لأن واشنطن تعيش حالة انشغال وتشغل العالم معها لهدفين: الاستفراد في قطاع غزة وتصفية المقاومة وتحديد المستقبل السياسي للقطاع وثانيا برسم خريطة المنطقة ومستقبل المنطقة برمتها ومستقبل تطبيع العلاقات العربية الصهيونية، وبالتالي فإن واشنطن لن توافق على حرب تدميرية واسعة في لبنان وإن كانت تدعم وتوافق أي ضربات إسرائيلية مؤلمة وقاسية ضد حزب الله بحيث تستهدف مواقع وقيادات وعناصر ومواقع ومستودعات الحزب، دون أن تطال الضربات مواقع مدنية أو أن تكون مقدمة لحرب واسعة.
بالتالي، لم يكن من المتوقع أن تكون العمليات العسكرية المتبادلة بين المقاومة في لبنان والجيش الاسرائيلي مقدمة لحرب تدميرية واسعة والمقصود هنا بالحرب/حرب( 1972، 1978، 1982، 1993، 2006)/ ذلك لأن لهذه الحرب أبعاد داخلية سياسية واقتصادية، لا أعتقد أنها توفرت خلال الأشهر الماضية حتى الخرق الالكتروني الصهيوني لبنية حزب الله الأمنية.
ولكن ماذا بعد الضربة الالكترونية الصهيونية، وهل ستكون هذه الضربة دافع للأطراف لتفجير حرب واسعة.
طبعا الجميع يتابع التصريحات والبيانات والحشود العسكرية المتبادلة، والجميع بحالة ترقب وانتظار: ماذا بعد؟
حتى اللحظة ورغم التهديدات والبيانات والتصريحات والحشود العسكرية شمال فلسطين عند الحدود مع لبنان، فجيش العدو مازال في حالة حرب مع المقاومة في قطاع غزة، وبحالة استنزاف وخسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وربما تكون العمليات العسكرية في الضفة وغزة قد تراجعت نسبيا ولم تعد كما كانت في الأيام الأولى من الحرب، لكن الجيش الصهيوني يعيش حالة ارهاق، رغم ما نسمعه عن نقل ألوية ووحدات عسكرية إلى الحدود مع لبنان، كما لا بد من الإشارة إلى أن الولايات المتحدة لم تعط العدو الضوء الأخضر بشن حرب تدميرية على لبنان وليست واشنطن حتى الآن مستعدة لتغطية هذه الحرب حرصا منها على عدم احراج الدول العربية الموالية لها، ورغبة واشنطن لدفع المزيد من الدول العربية للتطبيع مع كيان الاحتلال .
ولكن هل يغامر نتنياهو بالحرب، وبالتالي كانت الضربة الالكرونية مقدمة لهذه الحرب؟
لو كانت الضربة الالكترونية مقدمة للحرب التدميرية، فمن المفروض أن تكون متزامنة أو خلال ساعات من الضربة الالكترونية، وليس الانتظار لساعات أو أيام، لأن القيادة الصهيونية تعلم أن حزب الله (وحلفائه في محور المقاومة) قادر على استعادة أنفاسة وتنظيم صفوفه وحشد طاقاته لمواجهة أي حرب محتملة، لكن تل أبيب وجهت ضربتها الالكترونية وذهبت لاستعراض قواتها وتهديداتها لمواجهة رد حزب الله على ما تعرض له من عدوان إلكتروني، وبالتالي فإن تل أبيب لم توجه ضربتها كمقدمة لحرب تدميرية، بل هي رسالة قاسية إلى حزب الله ومحور المقاومة وشل قدرات الحزب الداعمه لقطاع غزة من أجل مواصلة حرب الابادة على القطاع وتصفية المقاومة الفلسطينية.
نتنياهو وفريق عمله مازال غير مستعد للحرب التدميرية الشاملة باتجاه لبنان، ومازال بدعم أمريكي يواصل ضرباته المؤلمة هنا وهناك لكسب الوقت لتحقيق الأهداف التي أطلقها في القطاع.
صحيح أن تطور العمليات العسكرية بين حزب الله والجيش الصهيوني جعلت من جبهة جنوب لبنان جبهة رئيسية، وأن العدو وحلفائه يسعى لوقف الخطر الداهم من حزب الله، سواء بالضربات أو بالمساعي السياسي، لكن ورغم فشل المساعي واستمرار الضربات فإن الحرب التدميرية لن تكون سهلة وليست نزهة، وفي حال رفع نتنياهو من درجة جنونه فإن سيعمل على شن حرب مصغرة( تدمير مسافة 10 إلى 12 كلم من الخط الأزرق، وتدمير في الضاحية والبقاع، وضربات وغارات لمواقع محددة في المدن والمناطق اللبنانية)… متى؟ عند وقف العمليات العسكرية في قطاع غزة، وتأمين التغطية الأمريكية، وفشل المساعي الدولية بإقناع المقاومة سحب قواتها وأسلحتها الاستراتيجية لما بعد نهر الليطاني، عند ذلك يكون لك حادث حديث.