
لم يكن التصريح الذي أطلقه النائب في البرلمان وليد البعريني بعدم معارضته للتطبيع مع الاحتلال العنصري الاسرائيلي أمرا مثير للجدل، وربما لم يؤدي إلى إثارة المشاعر الوطنية اللبنانية، ذلك لأن التطبيع أصبح مسارا للعديد من الأنظمة والأحزاب والقوى السياسية، وأصبح مسار التسوية كخيار استراتيجي لقطاعات واسعة من النظم والسلطات والأحزاب وذلك لسببين أساسيين:
الأول أن بعض هذه القطاعات وصلت إلى درجة العجز والضعف ورأت حسب اعتقادها ان ثمن الصراع مكلفا ولم يعد باستطاعاتها خوض ميادينه.
الثاني ورأى بعض آخر أن التطبيع والسلام مع العدو الاسرائيلي سيجني له الأمن والسلام والاستقرار والازدهار الاقتصادي واستعادة الحقوق العربية في فلسطين.
وفي العودة إلى الدول العربية التي تقدمت باتجاه التطبيع مع الاحتلال لتحقيق أحد الهدفين نرى أن هذه الدول تعرضت للانهيار الاقتصادي وتراكمت الديون وارتفعت حالات الفقر والتسول والهجرة إلى الخارج، وتزايدت نسبة البطالة، وتفاقمت حالات النهب والفساد والتفكك الاجتماعي وانتشار آفة المخدرات، وسيطرت المافيات واخترقتها المخابرات والمافيات الصهيونية وأصبحت مشرعة عارية أمام رياح انهيار السيادة الوطنية وتماسك المجتمع وهيبة الدولة.
والذين قالوا أنهم لو قدموا التنازلات سيجدون المن والسلوى وأنهم لو تنازلوا ستقدم لهم الأموال والرخاء والانفتاح، نجدهم اليوم يتسلوون الكرامة الوطنية ولقمة العيش والديون من البنك الدولي، بعد أن انهارت قوى الانتاج وتحول الشعب إلى قطاعات مستهلكة عم فيها التطرف والنعرات الطائفية والانقسامات الدينية.
كما أن الدول التي ذهبت إلى التطبيع مع الاحتلال، فلم تجد الأمن والسلام والاستقرار، بل يعمها الفوضى والتوتر الداخلي فانتشرت القوى والتيارات الارهابية وتصادمت الدول العربية فيما بينها وعمت المظاهرات والأحداث والصدامات المختلفة.
يقول النائب البعريني: أنه “مع التطبيع إذا كان التطبيع يحمينا من الاعتداءات، وإذا كان التطبيع يسترجع الأراضي اللبنانية، ويضمن عدم احتلالها، وإذا كان يمنح لبنان السلام والازدهار”.
بداية لا بد من التذكير أن الكيان العنصري منذ نشأته ومن طبيعته وبنيته هو العدوان والاعتداء واحتلال الأرض والمجازر، وبالتالي قام هذا الاحتلال على المجازر والتدمير والتهجير، وهذا طبيعه وأسس بنيته بهد بناء دولته المزعومة إرهابا للعرب لعدم المطالبة والنضال من اجل استعادة حقوقهم وأيضا من أجل ضمان النهب الأمريكي للثروات العربية وبقاء الجهل والتخلف والكبت والقمع والتفكك والانقسام والتجزئة.
وهذا ما يفسر أن تحقيق أهداف العدو وتقدمه استندت إلى الحروب وعمليات القتل والاحتلال وليس السلام، وإذا كانت القيادات الصهيونية تتدعي السلام أحيانا فهي تنادي بالسلام الذي يضمن لها قوتها ومصالحها وضعف العرب.
إن الدعوة للسلام والتطبيع مع العدو بشروط النائب وليد البعريني، هي اللهث وراء السراب من جهة، وهي أيضا دعوة للانحناء ودعوة لتطويع العقول العربية عامة واللبنانية خاصة للتعايش مع عدو لن يعيد الحقوق ولن يوقف عدوانه إلا بشروطه المذلة للعرب، وإذا كان هذا العدو قد انسحب من أرض عربية بمفاوضات “السلام” فاسألوا هذه الدول ماذا قدمت للاحتلال، وإذا انسحبت من هذه البقعة من الأرض فقد دخلت سفاراتها ومافياتها ولصوصها ومخابراتها وتجارها وسط العواصم ، وانسحبت من الأطراف تدخل بسفاراتها عمق الدول وعواصمها.
فهل يستطيع لبنان وهو تعرض ومازال يتعرض للمجازر والاحتلال والضغط والتدمير هل يستطيع أن يتحمل لصوص ومافيات وتجار ومخابرات العدو يتجولون في بيروت؟