
15 أيار/مايو عام 1948، هزم العرب على أرض فلسطين، وتمكنت العصابات الصهيونية من احتلال مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية وإقامة كيان لها بمساعدة ودعم مباشر من الإمبريالية البريطانية.
كانت الهزيمة مدوية، تراجعت فيها المقاومة العربية أمام الزحف الصهيوني، وتعرض الفلسطينيون لأبشع عمليات القتل والمجازر والترهيب والتهجير، وأبعد الآلاف منهم في ذلك الوقت عن ديارهم إلى دول الشتات ليتعرض اللاجئ الفلسطيني للقهر والذل والقتل والمجازر والحرمان والحصار في محاولة من معسكر العدو وحلفائه لهزيمة إرادة الثورة والصمود وتصفية القضية والتخلي عن حقوقه الانسانية والوطنية المشروعة.
ومنذ العام 1948، لم تتمكن الحكومات والاحزاب والقوى العربية (ومنها الفلسطينية طبعا) من تحرير فلسطين، وحقق العدو الكثير من أهدافه، وفرض سيطرته وجبروته وإرهابه على دول المنطقة، ودفع العديد أو معظم الدول والأحزاب العربية ليس لمهادنته فحسب، بل أيضا لمنحه البراءة على ما ارتكب من جرائم، واتخاذ من “السلام” مع العدو العنصري خيارا استراتيجيا وإقامة مع هذا الكيان علاقات سياسية وأمنية واقتصادية.
ومنذ العام 1948، هزمت النظم والقوى والأحزاب العربية في أكثر من معركة شهدتها المنطقة مع الاحتلال، وتمكن الاحتلال بعد نكبة 1948، من احتلال المزيد من الأراضي العربية في مصر والأردن وسوريا ولبنان، وتمكن العدو من من توجيه ضربات عسكرية في العراق وليبيا وتونس واليمن، ما أكد على ضعف المواجهة مع العدو ليس بهدف تحرير الأرض فحسب، بل ضعف مواجهة عدوانه ومجازره وحروب الابادة التي قام بها طول العقود الماضية.
شاء البعض أم أبا، هذا هو واقعنا العربي المرير منذ العام 1948، هزيمة تتبعها هزائم ونكبة تتبعها نكبات ومجزرة تتبعها مجازر.
وإذا كان الاستسلام وخيار التسويات جاء تتويجا للعجز وللهزائم العربية في ميادين القتال والمواجهة، وجاء رفع الراية البيضاء نتيجة حتمية لهزيمة الجيوش والقوى السياسية، فإن خيار “السلام” لم يعيد الحقوق للعرب، وأدخلت هذه التسويات العدو إلى العواصم والمطارات والأسواق والأجهزة الأمنية العربية، ودفعت النظم والقوى العربية إلى أحضان إعدائها مكبلة بقيود وشروط التسويات المذلة، ما أدى إلى المزيد من الانقسام والضعف والتشتت والاهتراء العربي أمام عدو عنصري تمكن من بناء قدراته وترسانته وعلاقاته ترهيبا للعرب وإخضاعا لهم على أرض الواقع وفي ميادين الاقتصاد والثقافة والسياسة.
هزم العرب ومازالوا يهزمون في ميادين القتال، لأنهم منذ النكبة لم يستعدوا جيدا لخوض الصراع، ولم يتمكن العرب بجيوشهم وأحزابهم من حشد طاقاتهم وتنظيم ووحدة صفوفهم وبناء قدراتهم القادرة على مواجهة الاحتلال ودحره وتحرير الأرض.
لذلك كانت النكبة، وتبعتها نكبات وهزائم، ولذلك العرب مهزومون اليوم، وسيغرقون بمزيد من الهزائم، لأن النظام العربي لا يدفع الشعوب إلى الانتاج والتصنيع واستصلاح الأراضي الزراعية، ولأن الأحزاب والقوى السياسية اعتمدت على التسول ولم تعمل على تطوير الوعي الوطني والانتاجي، بل قدمت للشعب الفتات ليبقى رهينة لها وطيعا بيدها، والشعب المتسول لا يبدع ولا يصنع نصرا ولا يمتلك القدرة على القتال والمواجهة.
لم تتوقف هزيمة العرب عند نكبة 1948، بل توالت الهزائم والنكبات وتمكن العدو الصهيوني الأمريكي من احتلال المزيد من الأراضي والمزيد من السيطرة على الأنظمة والثروات وإقامة القواعد العسكرية على امتداد أرض الوطن، وارتكب العدو حروب الابادة ومازال مستمرا في حروبه وعدوانه.
لكن الهزائم ليست قدرا، بل هي نتيجة طبيعية وحتمية للعجز وعدم الوعي وعدم التنظيم ووحدة الارادة وحشد الطاقات وتطوير الأدوات في ميادين الصراع، وبالتالي، ولأن الهزائم انعكست مأساة على حياة كل فرد وكل مجموعة عربية، انعكست ذلا وفقرا وقهرا وموتا وحرمانا، فرفض الواقع هذا أمر حتمي، بعد أن أغلقت أمام الشعوب كل الخيارات ولم يبق أمامها إلا خيار المواجهة والقتال مع العدو، ولكن ليست المواجهة العفوية والارتجالية بل المواجهة التي تعتمد على القوى الوطنية الثورية القادرة والمنظمة والتي تمتلك القدرة على الحشد وتوحيد الارادة الوطنية وتعميم ثقافة الانتاج والعمل في المصانع والمزارع والانتاج الفكري والثقافي والتعليمي، بعيدا عن موروثات الماضي، وصراعات ما قبل القرون الوسطى.