“الحزب” يلغّم المخيمات الفلسطينية ويربط سلاحها بسلاحه!

4 يونيو 2025
“الحزب” يلغّم المخيمات الفلسطينية ويربط سلاحها بسلاحه!
beirut News
جورج حايك

كتب جورج حايك في موقع “لبنان الكبير” ابتداءً من منتصف حزيران، ستكون الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية، وفي مقدمها الجيش اللبناني، أمام تحدٍّ كبير يُثبت مدى جديّتها في حصر السلاح بمؤسستها العسكرية. لكن الأمر ليس سهلاً، خصوصاً أن هذا الملف حساس وشائك، وجذوره تعود إلى العام 1969، وتحديداً إلى اتفاق القاهرة الشهير الذي أتاح العمل المسلّح للفلسطينيين انطلاقاً من الأراضي اللبنانية ضد إسرائيل. لذلك، فإن ما ستقوم به الدولة، على مراحل، من جمعٍ للسلاح الفلسطيني، يعني إنهاء مفاعيل اتفاق القاهرة وإقفال هذا الجرح الذي كان أحد الأسباب الرئيسية في اندلاع الحرب اللبنانية عام 1975.

اللافت أن هناك من يُشكّك في قدرة الدولة على جمع هذا السلاح، وفي قبول الفصائل الفلسطينية التعاون معها، لا سيما حركة “حماس” التي تُعدّ التنظيم العسكري الأقوى في المخيمات، والأكثر ارتباطاً بمحور الممانعة.

لا شك في أن المرحلة الأولى قد تمرّ بسلام، ويبدو أنها متفق عليها بين الرؤساء الثلاثة، ومن المقرّر أن تشمل المخيمات الواقعة في قلب بيروت ومحيط الضاحية الجنوبية وعلى مقربة من مطار رفيق الحريري الدولي. علماً أن موقف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي زار لبنان في منتصف أيار، مهّد لتنفيذ هذا القرار، معلناً تأييده له، ومؤكداً أن اللاجئين ليسوا بحاجة إلى سلاح في ظل وجود الجيش اللبناني.

إلا أن القاصي والداني يعلم أن “الحزب” حمى هذه الفصائل المسلحة واستغلّها لخدمة مصالحه، محوّلاً المخيمات إلى ملاذ للمجرمين والارهابيين والفارّين. وقد عانى لبنان – مؤسساته وجيشه وشعبه – معاناة بالغة، كما عانى اللاجئون أنفسهم.

وتؤكد مصادر نيابية سيادية أن “الحزب” أعلن موقفه من المخيمات الفلسطينية منذ العام 2007، عشية معركة نهر البارد، على لسان أمينه العام السابق حسن نصر الله الذي اعتبرها خطاً أحمر. ومع ذلك، أصرت الدولة على خوض المعركة، وأنهت الوجود المسلّح غير الشرعي فيه، ولو بكلفة عالية من شهداء الجيش. وليس سراً أن نوايا “الحزب” لم تتغيّر حيال استغلال السلاح الفلسطيني وربطه بمشروع محور الممانعة بقيادة إيران.

وتذهب المصادر النيابية إلى أبعد من ذلك، إذ تُذكّر بأنه عندما تقرر في جلسات الحوار عام 2006 نزع سلاح الفصائل الفلسطينية خارج المخيمات كخطوة أولى، على أن يُعالج لاحقاً ملف الأسلحة داخلها، وافق “الحزب”، لكنه سرعان ما تراجع عن الاتفاق. وعلى مرّ الأعوام، شهد مخيم عين الحلوة ومخيمات أخرى اشتباكات أودت بحياة أبرياء، بحيث سعت “حماس”، بدعم من “الحزب”، إلى السيطرة على أكبر مخيم في لبنان بعد أن تفوّقت على منظمة التحرير الفلسطينية في مخيمي صور والبص والرشيدية. وتشير الوقائع إلى أن الصواريخ التي أُطلقت مؤخراً نحو إسرائيل – واستغلتها الأخيرة – انطلقت من مخيمي البص والرشيدية.

من المعروف، بحسب معطيات كثيرة، أن “الحزب” يُحرّض “حماس” على عدم الالتزام بتسليم سلاحها، لأنه يدرك أن ذلك، لو حصل، سيُقوّض استراتيجيته الأوسع وجهوده لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. ومن المتوقّع أن يعرقل مهمة الحكومة، حتى لو أدّى ذلك إلى إثارة الاشتباكات.

في المقابل، لا شيء يجب أن يثني الدولة عن قرار نزع سلاح الفلسطينيين، ومفتاح النجاح يكمن في التزامها الراسخ بفرض سيادتها. ومن الواضح أن رئيس الحكومة نواف سلام يتبنّى هذا النهج. فقد صرّح مؤخراً بصراحة: “لقد ولّى عصر تصدير الثورة الايرانية، ولن نلتزم الصمت حيال ترسانة أي جهة غير حكومية”.

وتشير المصادر النيابية السيادية إلى أن الممانعة، بشقّيها الأسدي والخامنئي، قتلت من الفلسطينيين أضعاف ما قتلته إسرائيل، إذ كان هدفها وضع اليد على الورقة الفلسطينية للحؤول دون أي سلام، وإبقاء الصراع مفتوحاً تبريراً لدورها واحتلالها للعواصم العربية. كما استخدمت الممانعة المخيمات الفلسطينية لتوجيه الرسائل الساخنة إلى السلطة الفلسطينية تارة، وإلى الداخل اللبناني تارة أخرى. واستخدمت هذه المخيمات أيضاً لتبرير الاحتلال الأسدي وسلاح “الحزب” بحجّة عدم جواز خروج الأول وتسليم الثاني لسلاحه قبل نزع السلاح الفلسطيني، فيما كانت الممانعة نفسها العائق أمام هذا النزع.

وفي كل مرة أراد فيها “الحزب” تجنّب المواجهة المباشرة مع إسرائيل، كان يتلطّى خلف الفصائل الفلسطينية، فيما يعلم القاصي والداني أنه لا يُطلق صاروخ من لبنان من دون علمه.

في الأيام المقبلة، ستتظهّر، على نحو واضح، إشكالية تسليم السلاح الفلسطيني ومدى ارتباطه بـ”الحزب”، لا سيما أن الملف يتولاه مسؤولان عسكريان جديدان فيه، هما أبو علي حيدر وهيثم الطباطبائي، ويتفقان مع وجهة نظر إيران القائلة إن نزع سلاح الفلسطينيين سيشجّع الحكومة على السعي الى نزع سلاح “الحزب” بالكامل.

صحيح أن الرئيس عباس قدّم تسهيلات كبيرة للدولة اللبنانية من أجل حسم هذا الموضوع، لكن لا بدّ من الاعتراف بأن قدرته على التأثير في الفصائل المسلحة محدودة، نظراً إلى أن العديد من القادة البارزين في “فتح”، مثل الأخوين مقداد في عين الحلوة، قد غيّروا ولاءهم فعلياً لمصلحة “الحزب” وفيلق القدس الايراني، حتى مع احتفاظهم بمناصبهم ورواتبهم في “فتح”.

وتؤكد المعلومات، من مصادر فلسطينية، أن عباس حتى لو تمكّن من إقناع أتباع “فتح”، تبقى “حماس” الفصيل الأخطر، ومن المؤكد أنها لن تلتزم بأوامره. وهنا يكمن التحدي الكبير أمام الدولة اللبنانية.

أما المصادر النيابية السيادية، فترى أن تشكيل لجان لمزيد من الحوار قد يكون مجرد وسيلة لكسب الوقت، ولذلك، فإن الوفاء بهذا الالتزام يتطلّب من الدولة أن تكون حازمة، وأن تضع مهلاً نهائية وحاسمة، حتى لو اقتضى ذلك استخدام القوة، عبر مداهمات محدودة في المخيمات الفلسطينية الأصغر حجماً لإظهار جديتها في تنفيذ هذه الاستراتيجية، قبل الانتقال إلى مخيمات أكبر في الجنوب، مثل الرشيدية وعين الحلوة.

لا يختلف اثنان على أن خيار القوة قد يكون باهظ الثمن من حيث الخسائر والأضرار المحلية، إلا أن ثمن عدم نزع السلاح سيكون أفدح: خسارة الدولة امتحان استرداد قرارها السيادي، ومكسب جديد لـ”الحزب” الذي يقتات من الفوضى هنا وهناك.

المصدر لبنان الكبير