
منذ ما قبل النكبة الفلسطينية والاحتلال الاسرائيلي لأجزاء واسعة من الأراضي الفلسطينية عام 1948، طرحت العديد من الحلول للصراع العربي الاسرائيلي وصدر الكثير من القرارات الدولية ووقعت السلطات العربية العديد من الاتفاقيات التي كانت نتيجتها بالنهاية الاعتراف بوجود “دولة الاحتلال” والتخلي عن مشروع تحرير فلسطين وإقامة الدولة الديمقراطية الفلسطينية على كامل التراب الوطني الفلسطيني.
واتخذت الدول وبعض الأحزاب العربية من السلام خيارا استراتيجيا بما يكفل إقامة دولة فلسطينية على جزب من الأراضي الفلسطينية، وما أطلق عليه أخيرا “حل الدولتين”.
وعقدت مؤتمرات عربية ودولية في المنطقة وعواصم أجنبية من أجل حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.
وبالتالي حل الدولتين هو حل لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي يقوم على تراجع العرب ومنهم الفلسطينيون عن مطلب تحرير كامل فلسطين وعن حل الدولة الواحدة، و يقوم هذا الحل على أساس دولتين في فلسطين التاريخية تعيشان معًا، هما دولة فلسطين إلى جانب “إسرائيل”، وهو ما أُقِرَّ في قرار مجلس الأمن 242 بعد حرب 1967.
كان الرفض العربي الفلسطيني لحل الدولتين تحديدا يأتي في إطار ما كان يشعر به العرب من قوة ووعي وطني رفضا للوجود الصهيوني، والأمل بأن يكون لدى العرب قدرة على دحر الاحتلال وتحرير فلسطين، لكن الهزائم العربية في الحروب خاصة بعد العام 1967، وحالة الترهل والضعف والاهتراء والتشتت العربي ومنها الفلسطيني أدت إلى تراجع ملحوظ ليس في المشروع الوطني التحرري فحسب، بل أيضا تراجع حتى الشعارات والخطابات وفي المطالب والآمال، فكانت الموافقة والدعوة لحل الدولتين انعكاسا طبيعيا للوضع العربي الفلسطيني المهترئ.
ولكن تراجع التمسك العربي الفلسطيني بخيار التحرير جاء لمصلحة الاحتلال، وتمكن من استغلال الضعف العربي وعمل على تعزيز قوته ونفوذه وسيطرته وتحقيق الكثير من الخطوات باتجاه فرض الاستسلام على الجانب العربي الفلسطيني، وبدأت تل أبيب تعزز من موقعها وترفض أية حلول تجبرها على التراجع والانسحاب على المسار الفلسطيني.
تأتي اجتماعات باريس في 13 حزيران الحالي، كواحدة من الاجتماعات التي عقدت منذ سنوات لحل القضية الفلسطينية لحل الدولتين، وكان العرب مندفعون لهذا الحل وكان الرفض اسرائيليا، وتمكنت تل أبيب من أجهاض كل المقتراحات السابقة من موقع انتصارها وتراجع العرب، وهي ترفض اليوم أن الالتزام بحل الدولتين وهي في عز قوتها بعد الضربات القاسية لحركات المقاومة في غزة وتمكنها من فتح سفارات وقنوات إتصال مع الكثير من الأنظمة العربي.
“إسرائيل” كيان متفلت من كل القرارات والاجتماعات والاتفاقيات التي وقعت أو ستوقع، وأمام هذه الواقع والتعنت الاسرائيلي والواقع العربي الفلسطيني المهترئ لا يمكن لتل أبيب الموافقة على ما سيصدر من اجتماعات باريس، وكل الحشد الدولي لن يوقف تل أبيب عن مجازرها وحرب الابادة التي تنفذها في غزة والضفة لأنها تتعاطى مع المقترحات من باب القوة والسيطرة، ومهما كان هذا التحشيد الدولي والمساندة للقضية الفلسطينية سواء أكان بالمؤتمرات أو الخطابات أو الاجتماعات لن يكون لها قيمة إن لم يتمكن العرب من إعادة النظر في سياستهم وضعفهم وتشتتهم.
فلا مكان لحل الدولتين لدى القيادة الاسرائيلية، ولن تتمكن اجتماعات باريس من فرض الحلول على تل أبيب، لذلك يمكن القول بوضوح أن الرهان على حل الدولتين في ظل الظروف الراهنة هو رهان على سراب.