كتب خالدون الشريف في “المدن” لم تدخل إيران الحرب، بل تعرضت هي لضربات إسرائيلية بدأت باغتيال عشرات من قادتها وعلمائها النووين، ضربة هزّت الدولة وأركانها والمؤسسات وتسببت بإرباك استمرّ ستًّا وثلاثين ساعة، بعدها تماسك الحرس الثوري والجيش والحكومة من خلال اتخاذ قرارات سريعة بملء الفراغات من جهة، والردود التي تطورت من ردود مبعثرة في الأيام الثلاثة الأولى، إلى ردود مركّزة على أهداف واضحة ومؤلمة داخل إسرائيل المفيدة بشكل خاص. وإسرائيل المفيدة هي “غوش دان” (Gush Dan)، المنطقة الحضرية الكبرى المحيطة بـتل أبيب في إسرائيل، وهي أكبر تجمع سكّاني في البلاد على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وتمتد على نحو 1,516 كم²، وتشمل مدناً مثل تل أبيب – يافا، ريشون لتسيون، بيتاح تكفا، وهرتسليا. يقطنها حوالي 4 ملايين شخص (حوالي 45% من سكان إسرائيل)، مع نسبة يهودية تفوق 90% تشكل القلب المالي، التقني، والثقافي للبلاد، وتضم البنى التحتية الرئيسية مثل مطار بن غوريون، شبكة الطرق السريعة.
ماذا حققت إسرائيل؟
لم تحقق إسرائيل أهدافها كاملة في إيران، إذ لا توجد أي أدلّة تشير إلى أن البرنامج النووي الإيراني قد دُمّر وخاصة ليس على أيدي الجيش الإسرائيلي، وإذا ما كان البرنامج تعرض لأضرار فتكون بسبب الضربات الأميركية التي شبهها الرئيس دونالد ترامب بضربات هيروشيما وناغازاكي التي أنهت الحرب مع اليابان بالضربة القاضية بالمعنى الحرفي. لقد حقّقت إسرائيل نجاحات جلية في ضرب الدفاعات الجوية الإيرانية ونقلت المعركة إلى داخل إيران حيث جنّدت العملاء وتتحدث وسائل الإعلام عمّا يزيد عن 700 تمّ القبض عليهم، وبنت آلافًا من المسيّرات داخل إيران، إذ نقلت وكالة “فارس” الإيرانية عن “مصدر أمني” أنّ السلطات “اكتشفت أكثر من 10 آلاف مسيّرة صغيرة في طهران وحدها تُستخدم لأغراض التجسّس والقتل، واكتشفت ورشًا وبنى تحتيّة تحوي أطنانًا من المتفجرات وعشرات المسيّرات وأجهزة الإطلاق”.
كما ونجحت إسرائيل في توريط الولايات المتحدة في الحرب والحصول على دعمها المباشر من دون أي رد فعل دولي يذكر.
ومن دون شك أضعفت إسرائيل محور طهران إلى حدود كبيرة حيث أنّ إيران ستكون منشغلة بترميم قدراتها هي قبل عناصر المحور.
ماذا عن إيران؟
رغم الضربات الأميركية تحديدًا، لا توجد دلائل على انهيار فعلي للقدرة التقنية أو العلمية على استكمال البرنامج النووي الإيراني وتطويره كما لا توجد مؤشرات على تسرّب إشعاعي من منشأة فوردو، ما يُشير إلى أن الإيرانيين كانوا قد نقلوا بالفعل مخزونهم من اليورانيوم أو أنهم حفظوه بشكل محكم، ونتيجة لذلك، فإنّ أقصى ما يمكن قوله هو أنّ البرنامج قد تأخر، لكنّه بالتأكيد لم يُدمَّر، وهو البرنامج نفسه الذي بدأه الشاه عام 1956 وقد تستطيع إيران الصبر لسنوات وعقود أخرى حتى تفعيل هذا البرنامج.
واستطاعت إيران إظهار قدرات صاروخية يعتد بها فقد حوّلت الحياة في إسرائيل المفيدة إلى جحيم خلال 12 يومًا، بغض النظر عن مستوى الأذى والمؤسسات التي تضرّرت. فهي المرة الأولى في تاريخ إسرائيل منذ تأسيسها التي تتعرض فيها لضربات مؤلمة ومتلاحقة. ومن الجلي أنّ إسرائيل لم تنجح في تدمير برنامج إيران الصاروخي إطلاقاً.
وكذلك كان في بالِ إسرائيل ليس تدمير البرنامجَيْن النووي والصاروخي، بل القوات العسكرية من حرس ثوري وجيش وبحرية كما فعلوا مع سوريا حين سقط نظام الأسد. وفي ذلك أيضًا نجحت إيران في حماية مؤسساتها العسكرية والأمنية.
وأخيرًا عزّزت الحرب الروح الوطنية لدى الإيرانيين بموالاتهم ومعارضتهم الكبرى التي اعتبرت أن إسرائيل اعتدت على دولتهم وكرامتها الوطنية وبرنامجها الدفاعي المحق ما أعاد اللحمة، ولو مؤقتًا، إلى فئات الأغلب الأعم من الشعب الإيراني.
وأخيرًا استطاعت إيران كسب دعم دول الإقليم بلا استثناء إذ كانت معتدى عليها من قبل دولة توسعية تسعى لفرض هيمنتها على الإقليم كله مع رفض تجلّى بعد ضرب قاعدة العديد في قطر واستنكار من نفس الدول التي أدانت الاعتداء الاسرائيلي.
logo
الرئيسية
سياسة
نارٌ وانتصارات: ثلاثية الحرب بين إسرائيل وإيران وأميركا!
خلدون الشريف
الجمعة 2025/06/27
نارٌ وانتصارات: ثلاثية الحرب بين إسرائيل وإيران وأميركا!
حوّلت إيران الحياة في إسرائيل المفيدة إلى جحيم خلال 12 يومًا، بغض النظر عن مستوى الأذى (Getty)
increase
حجم الخط
decrease
مشاركة عبر
لم تدخل إيران الحرب، بل تعرضت هي لضربات إسرائيلية بدأت باغتيال عشرات من قادتها وعلمائها النووين، ضربة هزّت الدولة وأركانها والمؤسسات وتسببت بإرباك استمرّ ستًّا وثلاثين ساعة، بعدها تماسك الحرس الثوري والجيش والحكومة من خلال اتخاذ قرارات سريعة بملء الفراغات من جهة، والردود التي تطورت من ردود مبعثرة في الأيام الثلاثة الأولى، إلى ردود مركّزة على أهداف واضحة ومؤلمة داخل إسرائيل المفيدة بشكل خاص. وإسرائيل المفيدة هي “غوش دان” (Gush Dan)، المنطقة الحضرية الكبرى المحيطة بـتل أبيب في إسرائيل، وهي أكبر تجمع سكّاني في البلاد على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وتمتد على نحو 1,516 كم²، وتشمل مدناً مثل تل أبيب – يافا، ريشون لتسيون، بيتاح تكفا، وهرتسليا. يقطنها حوالي 4 ملايين شخص (حوالي 45% من سكان إسرائيل)، مع نسبة يهودية تفوق 90% تشكل القلب المالي، التقني، والثقافي للبلاد، وتضم البنى التحتية الرئيسية مثل مطار بن غوريون، شبكة الطرق السريعة.
ماذا حققت إسرائيل؟
لم تحقق إسرائيل أهدافها كاملة في إيران، إذ لا توجد أي أدلّة تشير إلى أن البرنامج النووي الإيراني قد دُمّر وخاصة ليس على أيدي الجيش الإسرائيلي، وإذا ما كان البرنامج تعرض لأضرار فتكون بسبب الضربات الأميركية التي شبهها الرئيس دونالد ترامب بضربات هيروشيما وناغازاكي التي أنهت الحرب مع اليابان بالضربة القاضية بالمعنى الحرفي. لقد حقّقت إسرائيل نجاحات جلية في ضرب الدفاعات الجوية الإيرانية ونقلت المعركة إلى داخل إيران حيث جنّدت العملاء وتتحدث وسائل الإعلام عمّا يزيد عن 700 تمّ القبض عليهم، وبنت آلافًا من المسيّرات داخل إيران، إذ نقلت وكالة “فارس” الإيرانية عن “مصدر أمني” أنّ السلطات “اكتشفت أكثر من 10 آلاف مسيّرة صغيرة في طهران وحدها تُستخدم لأغراض التجسّس والقتل، واكتشفت ورشًا وبنى تحتيّة تحوي أطنانًا من المتفجرات وعشرات المسيّرات وأجهزة الإطلاق”.
كما ونجحت إسرائيل في توريط الولايات المتحدة في الحرب والحصول على دعمها المباشر من دون أي رد فعل دولي يذكر.
ومن دون شك أضعفت إسرائيل محور طهران إلى حدود كبيرة حيث أنّ إيران ستكون منشغلة بترميم قدراتها هي قبل عناصر المحور.
ماذا حققت أميركا؟
ظهرت إدارة الولايات المتحدة بمظهر القادر والحازم واستعاد الرئيس دونالد ترامب هيبة الردع الأميركي ممسِكًا بالسياسة الخارجية لبلاده بيد من حديد.
اختار ترامب هدفًا عسكريًا يتقاطع عليه كثر من الأميركيين وهو منع إيران من الحصول على القنبلة النووية، ولو أنهم بأغلبيتهم الساحقة لا يريدون التورّط بحروب خصوصاً في الشرق الأوسط.
وثبت للقاصي والداني أنّ حلف أميركا مع إسرائيل مؤيّد ومدعوم من داخل الدولة والمؤسسات ومن فئات واسعة من الشعب الأميركي خصوصاً من تيارات دينية بذاتها يمينية التوجه، ولكن، للمرة الأولى في تاريخ العلاقة بين أميركا وإسرائيل، يجرُؤُ رئيس أن يشتم دولة إسرائيل مباشرة أمام الملأ ما يعني أنه لم يعد يخشى اللوبي الصهيوني لاسيما بعدما خلّص إسرائيل من النووي الإيراني، كما زعم.
تمكنت أميركا من خلال استخدام القوّة بشكل مباشر عبر الطائرات المتفوّقة التي تحمل القنابل الخارقة للتحصينات والتلويح باغتيال مرشد الدولة والثورة من توجيه رسالة ردع لجمبع الدول خصوصاً الصين وروسيا التي التقطت الرسالة مباشرة، وجاء ردّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رافضًا مجرد الاستماع إلى احتمال حصول مثل هكذا اغتيال.
وبالفعل تستطيع أميركا أن تتباهى بضرب برنامج إيران النووي ولو أنّها لم تدمّره، لكن الإنجاز تحقق لفترة زمنية مقبولة بالحد الأدنى إلى الانتشاء الرمزي والنفسي بالقوة التي تقهر وللعقل الجمعي الغربي “الأبيض”.
وأخيرًا طبقت أميركا مثلًا قديمًا شعبيًا يقول “أضربه كف وجلّس له الطربوش” إذ فتحت فور حصول الضربة كلّ الأبواب لحوارات مباشرة مع إيران ويكفي أن نقرأ ما قاله ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب، في مقابلة مع “فوكس نيوز” الثلاثاء الماضي ما حرفيته “إننا نتحدث بالفعل مع بعضنا البعض، ليس فقط بشكل مباشر، ولكن أيضًا عبر وسطاء. أعتقد أن المحادثات واعدة. ونأمل أن نتمكن من التوصل إلى اتفاق سلام طويل الأمد ينهض بإيران”. وأضاف “يتعيّن علينا الآن الجلوس مع الإيرانيين والتوصل إلى اتفاق سلام شامل، وأنا واثق للغاية في أننا سنحقق ذلك”.
ماذا عن إيران؟
رغم الضربات الأميركية تحديدًا، لا توجد دلائل على انهيار فعلي للقدرة التقنية أو العلمية على استكمال البرنامج النووي الإيراني وتطويره كما لا توجد مؤشرات على تسرّب إشعاعي من منشأة فوردو، ما يُشير إلى أن الإيرانيين كانوا قد نقلوا بالفعل مخزونهم من اليورانيوم أو أنهم حفظوه بشكل محكم، ونتيجة لذلك، فإنّ أقصى ما يمكن قوله هو أنّ البرنامج قد تأخر، لكنّه بالتأكيد لم يُدمَّر، وهو البرنامج نفسه الذي بدأه الشاه عام 1956 وقد تستطيع إيران الصبر لسنوات وعقود أخرى حتى تفعيل هذا البرنامج.
واستطاعت إيران إظهار قدرات صاروخية يعتد بها فقد حوّلت الحياة في إسرائيل المفيدة إلى جحيم خلال 12 يومًا، بغض النظر عن مستوى الأذى والمؤسسات التي تضرّرت. فهي المرة الأولى في تاريخ إسرائيل منذ تأسيسها التي تتعرض فيها لضربات مؤلمة ومتلاحقة. ومن الجلي أنّ إسرائيل لم تنجح في تدمير برنامج إيران الصاروخي إطلاقاً.
وكذلك كان في بالِ إسرائيل ليس تدمير البرنامجَيْن النووي والصاروخي، بل القوات العسكرية من حرس ثوري وجيش وبحرية كما فعلوا مع سوريا حين سقط نظام الأسد. وفي ذلك أيضًا نجحت إيران في حماية مؤسساتها العسكرية والأمنية.
وأخيرًا عزّزت الحرب الروح الوطنية لدى الإيرانيين بموالاتهم ومعارضتهم الكبرى التي اعتبرت أن إسرائيل اعتدت على دولتهم وكرامتها الوطنية وبرنامجها الدفاعي المحق ما أعاد اللحمة، ولو مؤقتًا، إلى فئات الأغلب الأعم من الشعب الإيراني.
وأخيرًا استطاعت إيران كسب دعم دول الإقليم بلا استثناء إذ كانت معتدى عليها من قبل دولة توسعية تسعى لفرض هيمنتها على الإقليم كله مع رفض تجلّى بعد ضرب قاعدة العديد في قطر واستنكار من نفس الدول التي أدانت الاعتداء الاسرائيلي.
ترميم العلاقات الإقليمية
أمام الإقليم فرصة قد لا تتكرر من حيث ترميم العلاقات بين من يجمعهم تاريخ واحد وجغرافيا وثروات ومصالح تستحيل مشتركة إذا ما أدرك الإيرانيون أنّنا دخلنا مرحلة جديدة ولا يجب بأي شكل من الأشكال إطلاق يد الدولة المارقة إسرائيل في البلطجة في هذه المنطقة من العالم.
كل المقبل من الأيام سيعتمد على كيفية تقديم إيران نفسها للإقليم: هل ستقدم نفسها كضامن للتوازن الإقليمي مع إسرائيل خارج سردية تصدير الثورة وخارج الاصطفاف المذهبي وخارج كونها دولة تفتش عن نفوذ حيثما كان هناك شيعة؟ هل ستتقارب مع المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر؟ وقد بدأ التواصل الإيراني مع تلك الدول بالفعل. هل أدركت إيران أن أصل القوة هو ضمان وجودها والعمل على ازدهار البلاد لتحصين مناعتها من أي خروقات أمنية، والتحالفات، وحصر العداء بدل تعميمه؟ الأيام والشهور القادمة ستظهر لنا ما ننتظر.
إلى لبنان درّ
وأخيراً كلمة لأبناء جلدتي ووطني لبنان، قد يعادي لبنانيون كثر نظام إيران، وأذرعها، وثورتها التي أعِدَّت للتصدير، وقد توالي طائفة إيران ومرشدها وحرسها وفيلق قدسها، لكن أحدًا لا يستطيع إلا أن يقدّر الروح الوطنية العالية للإيرانيين الذين اجتمعوا، موالاة ومعارضة، مقيمين ومغتربين للذود عن أرض إيران وتاريخها وحاضرها ومستقبلها ومشروعها النووي الذي بدأه الشاه في خمسينيات القرن الماضي… إلا من رحم ربي من إيرانيين ارتضوا التخلّي عن روح وطنية تفتقد لها شعوب عدة. ولعلّ الروح الوطنية في لبنان تحتاج لصقل وتغذية وتعلق؛ فلبنان ينقسم أهله حول كل الأمور من أصغرها إلى أكبرها ولعلّ أكبرها قبول البعض بتبرير أو حتى شرح أسباب العدوان الإسرائيلي الغاشم على الناس، والأرض، والزرع والكرامة.
الإيرانيون، وعلى رغم مشاعرهم المختلطة تجاه النظام وعلى رغم أن كثرًا منهم يحملون كراهية لقوات “البسيج” الإيرانية (قوات الحشد والتعبئة شبه العسكرية) بسبب دورها في قمع الاحتجاجات المعارضة للنظام والمجتمع المدني. ومع ذلك، فإن الضربات الأميركية والإسرائيلية أثارت شعوراً متجدداً بالوطنية لدى كثيرين ممّن يرون أن التهديد لا يطال النظام فحسب، بل إيران نفسها.
إلى لبنان درّ وإلى الأمل بغد مشرق.