
ارتفعت بشكل لافت، الأصوات المؤيدة والمعارضة لسحب السلاح الفلسطيني من لبنان، منذ انتخاب الرئيس جوزاف عون وخطاب القسم وبعد البيان الوزاري الذي أعلنه رئيس مجلس الوزراء الدكتور نواف سلام.
ارتفعت الأصوات لسحب السلاح الفلسطيني بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان، خريف العام الماضي، بالتزامن مع الحديث عن نزع السلاح غير الشرعي وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وتنفيذ القرار 1701.
أظهرت القيادة الرسمية الفلسطينية تجاوبا واضحا مع الدعوة الرسمية اللبنانية لسحب السلاح من داخل المخيمات الفلسطينية، بل وصل بيروت وفود فلسطينية وأطلقت التصريحات والبيانات الفلسطينية المؤيدة، وحدد لتنفيذ القرارات مواعيد لسحب السلاح.
فجأة تراجع الاندفاع نحو تنفيذ القرارات ولم يعد سحب السلاح الفلسطيني من الأولويات، دون تبرير ذلك من القيادتين اللبنانية والفلسطينية، لكن ما هو واضح أن قرار سحب السلاح الفلسطيني ارتبط بمسألتين أساسيتين:
= بموضوع سحب السلاح من جميع الأطراف على الساحة اللبنانية، وخاصة سلاح المقاومة في لبنان.
= ارتبط بموضوع الخلافات والصراعات الفلسطينية الفلسطينية، والحذر من أن يؤدي سحب سلاح فصائل منظمة التحرير الفلسطينية إلى إضعاف نفوذ المنظمة داخل المخيمات لمصلحة حماس والجهاد، أو أن يؤدي سحب سلاح الفصائل إلى توسيع نفوذ القوى الاسلامية المتطرفة وخاصة في مخيم عين الحلوة قرب مدينة صيدا.
ورغم ذلك، فقد أثار الاندفاع الرسمي (اللبناني الفلسطيني) لسحب السلاح من داخل المخيمات في إطار المشروع العام لبسط سيادة الدولة اللبنانية على أراضيها وحصر وجود السلاح بيد الدولة اللبنانية موجة من التساؤلات حول ضرورة وجود هذا السلاح أو عبثيته.
حين حمل الشعب الفلسطيني السلاح في لبنان، خاصة بعد العام 1968، وانخرط في مشروع الثورة الفلسطينية المعاصرة، كان بهدف القتال وتنفيذ عمليات فدائية ضد العدو الاسرائيلي والمشاركة في التصدي لعدوانه المتواصل على لبنان، وتحرير الأرض الفلسطينية وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وأراضيهم وممتلكاتهم، بالإضافة إلى رفع حالات الظلم والقهر والتنكيل التي كانت تتعرض له المخيمات الفلسطينية على أيدي الأجهزة الأمنية اللبنانية في ذلك الوقت.
وبعد هذه السنوات العجاف، وبعد التضحيات الجسام، لم يتمكن الفلسطينيون في لبنان، من العودة إلى وطنهم وديارهم وممتلكاتهم، ولم يتمكن الفلسطينيون من نيل حقوقهم المدنية والاجتماعية، وأصبح اللاجئ الفلسطيني يعيش اليوم في وضع ربما يكون أصعب وأسوء مما كان عليه قبل حمله السلاح عام 1968.
لم يتمكن أحد من الاعلان بشكل رسمي وصريح الآن، ما هي أهداف وأسباب وجود السلاح الفلسطيني داخل المخيمات في لبنان، بعد أن أكدت القيادات الرسمية الفلسطينية أكثر من مرة، وأعلنت الفصائل، خاصة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية بأن هذا السلاح هو بأمر الدولة اللبنانية وهي على استعداد لتسليمه، ولكن لماذا لم يسلم هذا السلاح حتى الآن، ولماذا ترفض الدولة اللبنانية تلبية دعوة القيادة الرسمية الفلسطينية استعدادها لتسليم السلاح؟، خاصة بعد توقيع اتفاقيات التسوية بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وحكومات العدو الاسرائيلي المتعاقبة، وبالتالي أصبح من غير المتوقع قيام جيش العدو الاسرائيلي بأي عدوان واسع أو خاطف يستهدف المخيمات الفلسطينية في لبنان، وإذا ما حصل هذا العدوان ( لأنه عدو لا يؤتمن)، فإن السلاح المتواضع وغير المنظم لا يسد حاجة القتال.
كذلك، فإن المصالحة التي تمت بين الفصائل الفلسطينية وجميع الطوائف والأحزاب والقوى السياسية اللبنانية، تؤكد بأن لا احتمالات متوقعة لأي اعتداء مليشياوي لبناني ضد المخيمات الفلسطينية، وأن الأحزاب اللبنانية لا تملك من القدرات والامكانيات ولا تملك الغطاء السياسي لأي اعتداء يستهدف المخيمات الفلسطينية، كما جرى من اعتداءات استهدفت المخيمات منذ العام 1968، والاعتداءات وضرب المخيمات (1973)، وخلال الحرب الأهلية (1975-1990)، ومجازر صبرا وشاتيلا، وحرب المخيمات.
كما أن الوضع الفلسطيني واللبناني المهترئ، لا يحتمل حروبا فلسطينية – لبنانية، والعامل الفلسطيني لا يشكل خطرا على الدولة اللبنانية، ولا يشكل مصدر قلق للبنانيين، وإذا كان الخطر الذي شهدته المخيمات الفلسطينية نتيجة انتشار القوى والتيارات الارهابية والمتطرفة، فإن مكافحة هذه التيارات هي مسؤولية الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية اللبنانية صاحبة السيادة على أرضها، وليس بإمكانيات الفصائل الفلسطينية محاربة الارهاب، ومثلما تمكن الجيش من تصفية الارهاب في جرود عرسال ونهر البارد وغيرها من المناطق اللبنانية، فإن بإمكانه في حال تسلم الأمن في المخيمات أن يكون في مقدوره تصفية الأطراف المعادية له سواء أكانت قوى إرهاب، أو تجار مخدرات، أو عناصر فارة من وجه العدالة.
ونظرا لأن السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، لم يعد سلاحا في إطار المشروع الثوري الفلسطيني، ولم يعد قادرا ومنظما وموحدا، وليس باستطاعته المشاركة في قتال العدو الاسرائيلي وتحرير الأرض واستعادة الحقوق انطلاقا من لبنان، وأصبح مصدر قلق وتوتر واقتتال في كثير من الأحيان، فقد بات من الضروري الاسراع في بحث مستقبل انتشار هذا السلاح داخل المخيمات وإيجاد معالجات عاجلة لوجوده
(تنظيمه، تسليمه، ضبطه).
وإذا كانت الحماية الأمنية للمخيمات الفلسطينية في لبنان، هي مسؤولية الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية، وقواتها العسكرية، لابد من التأكيد على أن من يتحمل مسؤولية ما وصل إليه اللاجئ الفلسطيني من عذابات وقهر وتشرد هو أولا العدو الصهيوني، الذي احتل الأرض، وشرد الشعب الفلسطيني من وطنه، ومارس بحقه كل عمليات القتل والمجازر والتدمير والتنكيل، ولا إمكانية لمعالجة قضية اللاجئين الفلسطينيين في الشتات عامة وفي لبنان خاصة، إلا من خلال قتال ودحر هذا الاحتلال وتحرير الأرض، وبانتظار ذلك، فإن تأمين الحماية الاجتماعية والسياسية والانسانية، وإبعاد حالات اليأس والاحباط والفقر والعوز هي مسؤولية المجتمع الدولي، ومنظمة التحرير الفلسطينية والدوائر المعنية في الحكومة اللبنانية.