منذ اسابيع او اشهر قليلة، لا اكثر، بدأ رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، ينبش اوراق تفاهم مار مخايل، ويضعها تحت المجهر.
غداة إدراج اسمه على لائحة العقوبات الاميركية، كثّف هذه العملية، وبات يعلن في معظم مواقفه وخطاباته ان التفاهم يحتاج اعادة درس، خاصة وانه لم يفلح في هدف اساسي من اهدافه، على حد تعبيره، الا وهو محاربة الفساد وبناء الدولة… النقد الذاتي هذا، اذا صحّت تسميته كذلك، توّج السبت الماضي، في الذكرى الـ15 لتوقيع التفاهم بين التيار وحزب الله، حيث قال المجلس السياسي للتيار في بيان “نرى في ذكرى التوقيع مناسبة للتمعن في هذا التفاهم.
فهو جنب لبنان شرور الفتنة والانقسام وحماه من اعتداءات الخارج، فردع إسرائيل وصد الإرهاب، إلا أنه لم ينجح في مشروع بناء الدولة وسيادة القانون، ويعتبر المجلس أن تطوير هذا التفاهم في اتجاه فتح آفاق وآمال جديدة أمام اللبنانيين هو شرط لبقاء جدواه، إذ تنتفي الحاجة إليه إذا لم ينجح الملتزمون به في معركة بناء الدولة وانتصار اللبنانيين الشرفاء على حلف الفاسدين المدمر لأي مقاومة أو نضال”.
سلسلة المواقف هذه، ليس هدفها الوحيد ما يعلنه الفريق البرتقالي، أي السعي الى تطوير التفاهم وتحسينه، بل يتوخى منها باسيل ايصال رسائل الى أكثر من طرف في الداخل والخارج.
ما يدفع مصادرَ سياسية معارضة، الى هذه الخلاصة، هو توقيتُ هذه “الانعطافة” البرتقالية.
فهي تسأل عبر “المركزية”، لماذا اليوم؟ هل لمس باسيل الآن، ان التفاهم لم يؤت ثماره؟ وهل كان يعتبر، منذ عام او اثنين او خمسة، ان “الاتفاق” يسير كما يلزم وبشكل جيد، ويساعد في قيام دولة خالية من الفساد في لبنان؟! المطالبة بمراجعة التفاهم، بهذه الوتيرة الكثيفة، تتابع المصادر، تأتي على الارجح، بعد ان لمس التيار فتورا يقابل فيه حزب الله مطالبَ الفريق الرئاسي، الحكومية. فالحزب صحيح لا يعارضه ولا يحاول اقناعه بتنازلات، الا ان التيار، العاتب، يريد من الضاحية دعما واضحا وصريحا، وينتظر منها، خاصة بعد ان عوقب رئيسه اميركيا بسبب تحالفه مع الحزب، مساندة قوية له في سعيه الى ثلث معطل في الحكومة خصوصا، وفي معركته لترويض الرئيس المكلف سعد الحريري او استرجاع التكليف منه.
من هنا، يبدو التيار يهز العصا لحليفه الاصفر ويُفهمه ما يلي: نحن قادرون على التخلي عنك وعلى تعريتك مسيحيا ونزع الغطاء الثمين الذي امّناه لك منذ 15 عاما “اذا لم تحلب صافي معنا”، كما يقال في العامية.
الجهة الثانية التي يريد التيار التوجّه اليها عبر مواقفه الاخيرة، هي الشارع.
فبعد ان انتفض في 17 تشرين ضد الفساد، يبدو الوطني الحر يحاول استرضاءه او احتواءه عبر ابلاغه انه بدأ جردة حساب من داخل بيته، واطلق مراجعة ذاتية أوصلته الى الإقرار بأن ورقة مار مخايل، بالفعل، لم تتمكن من “الخرق” في ورشة بناء الدولة، وبالتالي لا بد من تطويرها، واذا لم يحصل ذلك، فالتيار لن يتمسّك بها.
واذ تعتبر ان هذا العنوان برّاق و”بييّع” مسيحيا ايضا، خاصة وان النقمة على سياسات الحزب الداخلية والاقليمية وما تُسببّه من عزلة للبنان، تكبر في الوسط المسيحي، تشير المصادر الى ان باسيل يخاطب ايضا في انتقاده التفاهم، المجتمعَ الدولي، العربي والغربي في آن.
فمع رحيل ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب، سيحاول باسيل اعادة تلميع صورته في الخارج، وعينُه على رئاسة الجمهورية. وبينما حزب الله مغضوب عليه ويُعتبر ارهابيا في نظر معظم الدول الكبرى، يلمّح رئيس التيار الى استعداده لفض التحالف مع الحزب في اي لحظة، اذا كانت الاسرة الدولية، مستعدة لمسح العقوبات عنه ودعمه رئاسيا.
حزب الله الذي لم يعلّق رسميا وبوضوح على ما يفعله شريكه البرتقالي المفترض، فَهِم جيدا ما يُضمره حليفه، فكيف سيرد؟ لننتظر ونر.